عنيت بابي العلاء المعري ناشئاً، وكتبت في أخباره وأشعاره تلميذاً. وما زلت معنياً به حافظاً لأخباره وأشعاره. واللزوميات أعظم آثار الرجل، وهي سجل عقائده وآرائه، ولها النصيب الأوفر من أحاديث من يتحدثون عن المعري، وكتابة من يكتبون في فلسفته.
وكثيراً ما سألت الأدباء وسألت نفسي: متى نظمت اللزوميات وكيف رتبت؟ أخط الشاعر خطتها ثم نظمها ولاء على ترتيب حروف الهجاء، فآراؤه غيها متوالية على هذا الترتيب؛ ما تتضمنه أبيات على رويّ الهمزة مقدم زماناً على ما يذكر في أبيات على رويّ الباء وهلم جراً؟ أم نظم الرجل ما نظم ثم رتبه على حروف الهجاء، فقدم متأخراً وآخر متقدماً، مسايرة للترتيب الهجائي؛ فما يعرف المتقدم والمتأخر من شعر الرجل إلا ما دلت عليه حوادث مذكورة فيه، ولا يستطاع تتبع أفكاره ورعاية تطورها على الزمان؟ وكنت أقول إنه لابد لمؤرخ أبي العلاء من أن يفصل في هذه القضية، فيجزم بأن اللزوميات مرتبة على الزمان أو غير مرتبة.
لذلك أعدت قراءة اللزوميات مستوعباً، متقصياً الأبيات التي تذكر فيها حوادث معروفة أو رجال معروفون، والتي تذكر فيها سن أبي العلاء أو حاله من الشباب والكهولة والشيخوخة. وراجعت ما أثره التاريخ من أخبار الرجل، وذكر كتبه، فانتهيت إلى القضايا التي أسجلها فيما يأتي:
- ١ -
متى نظمت اللزوميات
جمهرة شعر أبي العلاء في مجموعتين: الأولى تتضمن شعر الصبا والشباب وهي التي سماها سقط الزند، وقد جرى في هذا الشعر مجرى الشعراء الآخرين، فمدح وهجا وتغزل ورثى ووصف الخ.