للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أدبنا المجهول:]

المنصف

لابن وكيع المصري المتوفى سنة ٣٩٣هـ

للأستاذ السيد أحمد صقر

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

أو لم يسمع النافون عنه أخذ الكلام من النثر والنظام قول الفرزدق: نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة؟ أو ما سمعوا قول الحكماء: من العبارة حسن الاستعارة؟ وما شيء بأعجب من وقوع جملة الشعراء في أمر يشترك فيه قديمهم ومحدثهم من استعارة الألفاظ والمعاني إلى مر الزمان بتحكيك الفحول منهم الشعر وتنقيتهم إياه، حتى أنهم كانوا يسمون قصائدهم الحوليات، لأنهم كانوا يعيدون فيها النظر حولا حولا قبل ظهورها، فلم يعصمهم طول النظر وكد الخواطر والفكر من أن يلم بعضهم بكلام بعض. ثم لا يرضى مقرظ أبي الطيب حتى يدعي له السلامة الكاملة من عيب لم يتكامل في أحد قط تكامله فيه. وأنى له بالسلامة من ذلك وقد جاء على ساقة أهل الشعر بعد استيلاء الناس على حلو الكلام ومره، ونفعه وضره، وهذا الظلم الواضح والأمك الفاضح.

وسأدل أولا على استعمال القدماء والمحدثين أخذ المعاني والألفاظ، ثم أعود إلى تنخل شعر أبي الطيب ومعانيه، وإثبات على ما أجده فيه من مسروقات قوافيه التي لا يمكن فيها اتفاق الخواطر، ولا تساوي الضمائر، لأن ذلك يسوغ في النذر القليل، ويمتنع في المتواتر الكثير. وسأنصفه في كل ذلك، فما استحقه على قائله سلمته إليه، وما قصر فيه لم أدع التنبيه عليه، لئلا يظن بنا الناظر في كتابنا خورا في قصد، أو تقصيرا في نقد. وذلك يلزمنا إلحاق ما فيه عيب غير السرقة بالمسروق، خوفا من أن يقول قائل قد تجاوز عن أشياء من الغثاثات واللحون والمحالات كانت أولى من الذكر للمسارقات. هذا إن لم يعبر عنا بالغفلة عنها إلا لتجاوز لها. وينبغي إذا عملنا على تسليم ما له من السرقات إليه، ورد المقصر منها عليه، أن أثبت لك وجوه السرقات، محمودها ومذمومها، وصحيحها وسقيمها، وأعرفك ما يوجب للسارق الفضيلة، وما يلحقه الرذيلة، ليكون ما نورده له وعليه مقيسا

<<  <  ج:
ص:  >  >>