للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أس قد أحكمناه، ونهج قد أوضحناه، وما غرضنا في ذلك الطعن على فاضل، ولا التعصب لقائل، وإنما غرضنا إفادتك ما استدعيناه، وكفايتك الفحص عما أستكفيناه، لتظهر على خصمك، وتزداد قوة في علمك، وبالله نستعين، وعليه نتوكل، وهو حسبنا ونعم الوكيل).

هذه هي المقدمة الرائعة التي قدم بها ابن وكيع المصري بين يدي كتابه، وفيها كل الغناء لمعرفة قيمة الكاتب والكتاب.

وقد تحدث ابن وكيع بعد ذلك عن السرقات ووجوهها العشرة المحمودة، ومثيلاتها المذمومة حديثا معجبا مطربا مركزا شاملا، ثم قال: (وقد عرفتك الآن وجوه السرقات محمودها ومذمومها لتسلم من الحيف عليه، وتقضي في الحقائق بما له وعليه مما أوجبه حكم السرقة من الإنصاف، ولقبنا كتابنا (المنصف) لما قصدنا من إنصاف السارق والمسروق منه).

وعقد بعد ذلك فصلا ضافيا عن أنواع البديع أو وجوهه، كما يعبر، ثم عقب عليه بقوله: (وقد قدمت لك من هذه الأقسام ما تقوي به معرفتك بنقد الشعر فائقة ومقصره، وأطلعتك على سرائر رذله ومتخيره، لتفاضل بين الشعراء بأصل، وتنطق بعدل). ثم شرع في مقصوده الأصيل، وهو بيان سرقات المتنبي. وقد نهج في تبيانها منهجا ممتازا، ذلك أنه تتبع شعر المتنبي تتبعا تاريخا، وسايره بالنقد من أبياته الأولى إلى آخره قصيدة قلها. . .

وقد خلا كتاب المنصف من ذلك الثقل البغيض الذي يشيع الملل في نفس القارئ، والذي تحسه واضحا قويا في كتاب الوساطة. وما كان خلوه من ذلك الثقل مصادفة ولا عفوا، وإنما كان أمرا قصد إليه المؤلف قصدا، واحتال للخلاص منه احتيالا بإيراد الأخبار النادرة، والمعاني الباهرة، كاملة غير مخدجة كلما اقتضى المقام إيرادها، واستدعت المناسبة القوية ذكرها.

وقد نبه على صنيعه هذا في مواطن كثيرة يقول في أحدها:

(وإنما قصدناه قصدا، وأتيناه عمدا، لأن موضوع الكتاب الفائدة للقارئ، ولسنا نأمن عليه من الإكثار عاقبة الإضجار بمعنى واحد من السرقات، فتريد أن ننقله إلى استماع شعر مطرب، أو خبر معجب، لنروح عن قلبه، ونجلو صدره، بما في الانتقال، من حال إلى حال، من مداواة القلوب من الأملال).

<<  <  ج:
ص:  >  >>