لا خوف من الكلام الذي يقال جهرا، إنما الخوف من الأقوال التي تهمس همسا، ومن الإيماءات والأشارات والغمزات التي بتبادلها الناس في سوريا، ومن أحاديث المجالس الخاصة، ومن صمت العامل والمزارع والتاجر، ومن همهمة الطلبة ودوي الشبيبة المتعلمة.
لقد رأيت كثيرا، وسمعت كثيرا جدا، وفتحت لي أبواب وصدور، ووقفت على أمور عزيز على سواي الوقوف عليها، لا لأني من البقية الباقية ممن عملوا في كل ميدان من ميادين الجهاد، ولا لأني تباعدت عن موائد الغنيمة، بل لأني اغتسلت من دم الثورة بدمائها، ولأني، بعد أن ضمدت جراحي، نذرت الانطواء على نفسي كما انطوى الكثيرون أمثالي على أنفسهم عزة وكبرياء، أقول.
من الأمور التي سمعتها في سورية ما يخلق بي أن أتناولها بالكلام الصريح البعيد عن اللبس، ومنها ما يحسن أن ألمه لمسا رقيقا بغية أن (يفهم) من يهمهم أمر البلاد إن الشعب ينزع من حاكميه وزعمائه منزع التأفف والضجر، ومنزعا آخر لا أدري كيف اسميه ومعناه (دعهم في جهالتهم يعمهون وعلى الغنائم يتكالبون، وعلى مقاعد الحكم يقتتلون).
الأوضاع السياسية في سورية لم تستقر بعد، وقد لا تستقر إلا إذا أزيلت موانع لا محيد البتة من زوالها، وذللت عقبات لا مناص، من تذليلها مثال ذلك.
١) يوجد حتى اليوم طائفة من الرجال الذين عملوا في جميع أو في بعض ميادين الجهاد للاستقلال، منهم من جاهد بعقله ومعارفه، ومنهم من قاتل ومنهم من أدار القتال، ومنهم أيضاًمن كان ذيلا لهؤلاء، وأكثرهم، بل أكاد أقول جميعهم قد بلغ من العمر أرذله، إلا من خصهم الله بمواهب عالية لا يحوزها إلا أفذاذ الرجال، هل من منطق السياسة وسنة التطور أن يستأثر جميع هؤلاء بمقاعد الرئاسة ودسوه المجالس، لا لشيء إلا أنهم من