للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من دروس البادية]

محنة الرجولة

للأستاذ أديب عباسي

مرت السنون وتصرمت الأعوام، والأمير الكبير يلتمس رحمة المولى ويرتقب جداه ليهبه وارثاً من صلبه، يرث اسمه ويخلد ذكره، وينتهي إليه ماله وجاهه. بيد أن الأيام كانت كلها سواء في إذهاب الرجاء وتخييب الأمل، وأوشك الأمير أن يصفي ولما يجيء الوارث المرتقب.

غير أن المولى افتقد الأمير في سنة من سني يأسه، وحملت زوجته بعد طول الخيبة، ووضعت طفلة أسمياها (سلافة). ولم ييأس الأمير أو يبتئس إذ كان الوليد أنثى ولم يكن ذكراً. وماذا كان يرجو من الأيام ليبتئس بعد أن خاصمته في آماله وتجهمت له هذه الأعوام الطوال؟

ونشطت عواطف الأبوة قوية جائشة بعد طول الكبت وغياب الحافز، وهب الأب يريق على الصغيرة من عطفه وحبه ما صيرها سلواه وكل أمله في باقي حياته.

وشبت الصغيرة كما تشب بنات البادية غضة نضيرة، بقامة هيفاء وصحة مترعة؛ هذا إلى ما حباها الله وأفردها به إفراداً من جيد أغيد، وثغر أبلج، ووجنتين تفيضان بالحياة وتنضحان البشر نضحاً، إلى جبين مشرق نبيل يكلله ويزينه فرع أثيث وحف، ثم ما يتجمع جميع ذلك النور والسحر في مجتمعين للنور والسحر، ومن ثم كل ذلك الفيض فيهما من الفتنة القاسرة والقوة الآسرة.

هذا، ولم يدع الأمير وسيلة من وسائل التهذيب التي تيسرها البادية إلا اصطنعها في تهذيب (سلافة)، حتى غدت إذ شبت فتنة البادية، وحديث المجالس، ومدار الهواجس، ومطاف الأحلام في صدور الشباب. وذاعت شهرة الأميرة في طول البلاد وعرضها، وتواصفها الأمراء والأشراف، وأخذت تحوم حولها الأنظار، ويهطع إليها الخيال من جميع نواحي الطموح في البادية.

بيد أن الأمير اشترط على الخطاب الطامحين أن يجوزوا امتحاناً يعده لهم، ومن يفز فيه فاز بفتاته وأضحى الوارث الشرعي له في إمارته. وأما من فاته الفوز وخانه التوفيق

<<  <  ج:
ص:  >  >>