فيتلقى عقابه لوعة الحرمان ومرارة الفشل، ومائة جلدة وجز شعر الناصية؛ وأباح الأمير امتحانه هذا كل طامح بلا تفريق في الجاه أو المال أو الشهرة أو خلافها من وسائل التمييز.
وخشيت (سلافة)، مع هذه المساواة التامة بين الخاطبين، أن يجوز الامتحان غير كفء، وغير من تهوى وتحب، وقد يكون الفائز صعلوكاً من صعاليك البادية، أو ذئباً من ذؤبانها؛ وقد يكون أسود بغيضاً مرخي المشافر واللحيين؛ وقد يكون فتى مخنثاً فاتر العزم، باهت الرجولة؛ وثمة فللموت أهون عليها وأعذب.
فاتحت أباها فيما يساورها من مخاوف ويدب إليها من ريب، ولكن أباها الأمير طمأنها وأكد لها أن امتحانه لن يجوزه غير كفء، وأنها سوف تحمد له عاقبة هذا التدبير الذي يدبر.
جاء الخاطب الأول، وكان زعيماً ذائع الشهرة كثير المال، شريف المنتسب، حسن البزَّة والمظهر، وجاء يسوق بين يديه عديد الهدايا وأنواع الطرف، وقدمها وسيلة للأغراء والزلفى، وحلَّ ضيفاً كريماً على الأمير بعد أن كشف عن غرضه ومبتغاه.
واستقبله الأمير - كعادته مع جميع الأضياف - مرحباً مؤهلاً، ثم عمد إلى خير ناقه وأعزها عليه وعقرها ثم نحرها أمام البيت، ودعا إلى الوليمة أدنى من في الحي؛ وبعد أن نال الجميع من الطعام إلى حد الشبع ثم أديرت القهوة التفت الضيف الخاطب يخاطب الأمير:
أي أميرنا العزيز! لقد جئناك في (سلافة) درة البادية، وفتنة العقول، وغاية السول؛ فماذا ترى أن تضع بيننا من الحواجز، وماذا ترى أن تقيم بيننا من العقبات؟ لقد ملأ نفسي ذكر فتاتك، ولست بعائد ومؤيدي بعد الله همتي إلا بها.
فأجاب الأمير: على رسلك يا ضيفنا العزيز! إن ضيفنا يقيم بيننا أياماً عشرة، ثم يكون الامتحان، وعندها إما (سلافة) له، وإما المائة جلدة والشعر المجزوز.
ولم يسع الخاطب الطامح إلا الإذعان والصبر حتى يحل اليوم الموعود.
وفي صبيحة اليوم التالي عمد الأمير إلى ناقتين من خير ناقه ليجزرهما كاليوم الفائت، وهنا أراد الضيف الخاطب أن يعارض الأمير ويمنعه أن يعقر ناقتيه محتجاً بأن في جزور البارحة الكفاء وان نحرهما إسراف وإتلاف للمال لا مبرر لهما. إلا أن أميرنا لم يجبه بشيء ومضى يعقر الناقتين ويجزرهما ويعد الوليمة، وعند الظهر أقبل المدعوون من أدنى