هاهي ذي نسيمات الصيف تهوي إلى هذا الوادي الضاحك. . . قافزة كالفتاة اللعوب؛ تلهو بين العشب وترف فوق الزهر، وتتيه وراء النهر. . . ثم تعانقني، فتهمس في أذني بحياء، وتدغدغ وجهي بدلال. . . فأغمض عيني نشوان. . . فإذا بأوراقي تتبعثر. . . وبذكرياتي تهيج!. . .
يا عجباً لهذه الأوراق!! إن فيها قصة الشباب المستحير والحب الطروب. . . ولكن ما أجدر بعضها بالقراءة. فإن فيها كثيراً من تهاويل الفن، وفرائد الشعر، ونوادر الفكر، وأهازيج الشعب، وأضاحيك الناس. . . أيضاً. . . فلتجمعها (الرسالة) فهي روضة الأدب الزاهر. . . وقيثارة الناغم. . . ومجلته الشرود. . .
- ١ -
قرأت اليوم كتاب (طاغور) عن الشاعر ودينه. إنه يجنح إلى الدقة حتى ليصعب عليك فهمه، ويميل أحايين إلى السهولة حتى ما تجد أحلى ولا أملى منه. إن له آراء طريفة. . . هو يرى أن دين الشاعر ليس كدين الناس (لأن دين الناس عقيدة تهون بها المعضلات. . . فينقلب فيها الشك إلى يقين، والتمرد إلى إذعان). أما دين الشاعر فرقيق رجراج لا يخضع لشيء ولا يقيده شيء. هو كالقضاء الذي يحيط بالأرض تتلاعب في جنباته الظلال والأنوار، ويبدو الهواء فيه كالراعي الجميل ينفخ في مزماره ويغني بين قطائع الغيوم. إنه لا يقودنا إلى هدف ولا يجري بنا إلى غاية، لأنه مطلق لا تحيط به الجدران فتقيده؛ ولا الحدود الضيقة فتحدده؛ ولأنه واسع تتراءى لك فيه عوالم بعيدة وقريبة، تسمع منها زفرات اليائسين، وأنين البائسين، وأغاريد العصافير؛ وتحس بها لغب العاملين، وحمى الضعفاء، واضطراب الوالهين؛ وتستنشق عطر الورد وأريج الياسمين، وترنو إلى دموع العذارى، وعبرات الثكالى، وحزن البنفسج، ورفيف الندى، وضحك الربيع. استمع معي إلى هذا النشيد:
(أبريل يا أبريل. . .! اضحك كالفتاة الخلوب. . . ثم اذرف الدمع مثلها!)
(أبريل يا أبريل. . .! يا من له أذناي، غن كالحبيب عندما تسمع أنيني وترى نحيبي، ثم.