لا يكاد الشتاء يأزف حتى يشخص إلى القاهرة الأديب العالم الأستاذ عادل زعيتر، ولا يكاد يهبط مصر حتى يتساءل المفكرون والأدباء عما يحمل الأستاذ في وطابه، وكانت رحلة الشتاء هذا العام مباركة، فقد أتحف الأستاذ زعيتر مكتبتنا العربية بكتب خمسة ذات قيمة وفيها نفع جليل، وهي حصيلة عام واحد قضاه في جهد موصول ودأب غير مقطوع؛ إنها (بسمارك) و (الحياة والحب) لأميل لودج، و (السنن النفشية لتطور الأمم) و (روح الجماعات) و (اليهود في تاريخ الحضارات للفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون.
لقد قرأت (بسمارك) وهو سفر ضخم، طبع في مطبعة المعارف، وتبلغ صفحاته ٧٨٧ صفحة لم أكد أقرأ أولى فصوله حتى رأيتني مسوقاً إلى الانكباب على مطالعته، وإذا حدث أن اضطررت إلى التوقف فما أسرع ما يعاودني الشوق إلى استئناف القراءة. وأشهد أني أسف حين أوفيت على نهاية الكتاب ووددت لو استطالت بي المتعة.
يعرف القارئ أميل لودوج كاتب عالمي شهير، امتاز بأسلوبه الشائق في كتابته سير العظماء، ومن حق القارئ أن يعرف كذلك أن لودوج، حين يعرض سيرة العظيم، يحرص على أن يصل بين حياته الخاصة وحياته العامة وصلاً محكماً، زهو ينقل القارئ إلى صميم بيئة العظيم في غير اصطناع أو تكلف حتى ليحسبن القارئ نفسه صديقا للبطل أو هو من ذوي قرباه، ويكون تجاوب بين القارئ والعظيم، فيحاوره ويبين ما يرتسم على وجهه ويسبر ما ينطبع في ذهنه!
ولقد رأيتني ألمس في الكتاب هواجس بسمارك طفلاً، وأرافقه صغيراً، واجلس على رحلته المدرسية وأزامله رياضياً وأراقبه موظفا، وأرى ما أرى من تعاليه وكبريائه يافعاً، وأحار في تراوح الرجل بين الإلحاد والتقوى، وبين الشك واليقين، ورأيتني أمعن الفكر في التناقض الذي يتجلى في طبيعة بسمارك. . تلك الطبيعة التي لا يرضيها أي مقام. . ثم