لن يستطيع الباحث أن يمعن في دراسة الدين والسلوك الإنساني دون أن يتسلح بالنظريات والشطحات الفلسفية بالإضافة إلى تسجيله للظواهر الواقعية في علاقة الفرد بالمجتمع.
والباحث يجد نفسه والحالة هذه كدقات الساعة يميل تارة إلى النظريات وطوراً إلى الواقع، فهذا نهج أقل ما يقال فيه أنه سليم
فنظرة الماركسية إلى الدين - وهي نظرة مادية في كليتها - لا تعترف بتلك الناحية الأصلية في فلسفة الدين وهي ما أصطلح الناس في الغرب على تسميته بالاختبار الدين. والذي يؤكد صلاح هذا النهج في دراسة الدين كما شرحه الماركسيون بأنه وليد الأوضاع الاجتماعية؛ فمثلاً في سلوك الطبقات التي تمارسه والتي هي بدورها متأثرة مسيرة بنفوذ ذوي المصالح المادية من رجال الدين ومن يلوذ بهم من القوى والعناصر الاقتصادية التي يربطها بالنظم الدينية روابط تقليدية متينة. ففي طبيعة التعاليم الدينية (وفي الإسلام على وجه الخصوص) دعوة سافرة إلى تقييد الحد من سلطات المتاجرين باسم الدين والذين يدورون حولهم من أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية؛ وخلوا الإسلام من الكهنوت قد جعل طبيعة التعاليم الدينية في متناول الناس، بها يستهدون دون الحاجة إلى الوساطة، ومنها يستمدون سياسة عملية لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحقيق المساواة والعدالة في العلاقات الإنسانية وقد تعرض ماكس ويبر لبحث هذا في أسلوب منطقي فريد في كتابه عن (التاريخ الاقتصادي العام).
وتاريخ الإنسانية سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً ملئ بالحوادث التي لعب الدين فيها دوراً إيجابياً في صميم المصلح المادية للكثرة من الناس وكم من عالم ديني حمل لواء الإصلاح السياسي والاقتصادي!
وفوق ذلك فإن للدين مزية تتعطش المجتمعات (والغربية منها على وجه الخصوص) لتحقيقها في هذا العصر القلق المتفكك وأعنا بها التكافل الاجتماعي. وتاريخ الإسلام الاجتماعي في هذا المضمار فريد؛ فقد صهر الشعوب المجتمعات التي اعتنقت في وحدة