عاطفية واجتماعية وسياسية (ومن ثم اقتصادية) على نحو فشل الفكر السياسي المعاصر في تحقيقه في عصبة الأمم المنحلة سابقاً وفي هيئة الأمم المتحدة في الآونة الحاضرة.
وهنا يجدر بنا أن نتريث قليلاً لنتساءل عما إذا كان الدين أمراً يختص بالفرد دون المجتمع وعما إذا كان السلوك الإنساني هو سلوك سلبي أم إيجابي، بمعنى أنه مقصور على علاقة المرء بربه دون علاقة المرء بمجتمعه.
والجواب عن هذا التساؤل كان ولا يزال مثار نزاع. فالصوفية من المسلمين مثلاً اتجهوا في أقوالهم وسلوكهم الديني إلى أن وظيفة الدين هي وظيفة سلبية. ولعل هذا ما استدعى نقمة بعض أئمة المسلمين قديماً وحديثاً على الصوفية.
ففي القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية وتراث السلف الصالح أجوبة عديدة على أن وظيفة الدين لا تقتصر على علاقة المرء بربه. والواقع أن طبيعة التعاليم الإسلامية نثبت وظيفة الدين الاجتماعية بجانب وظيفته الروحية؛ فهناك فقه إلى جانب التشريع. لقد أكتشف المسلمون ذلك وعملوا به. وكان الرسول عليه السلام أول من جاهر به. والقصة التي تروى عن عمر بن الخطاب وكيف أنتهر رجلاً كان يلازم المسجد ليل نهار مثل آخر على انتباه الإسلام إلى هذه الوظيفة المزدوجة للدين ويخيل إلى أن الاتجاه الجديد في الفكر الغربي حول وظيفة الدين يحذو حذو الإسلام.
وقد أخذ بذلك (فردريك هيجل) أحد جهابذة الفكر الغربي ودعائمه الذي قال (إن ممارسة طقوس العبادة والصلوات أقوى من الناحية الإيجابية في توجيه السلوك الإنساني من الشرائع والقوانين المدنية.
والواقع أن (هيجل) كان من أوائل من لفت النظر إلى وجود (المنطق اللولبي) في علاقة النظريات والحقائق الواقعة في موضوع الدين، فقال إن هناك تواكلاً مشتركاً بين النظم التي لها كيان إيجابي في المجتمع كالعائلة والقبيلة والدولة والشعب، وكلها حقائق ملموسة، وبين النظم الفكرية كالقانون والعلوم والدين. فالكيان الإيجابي المحسوس هو كالنظم الفكرية - وفي طليعتها الدين وكلاهما جزء من شجرة الحياة.
فالإنسان في المجتمعات البدائية لا يكتفي بأن يرث النظم الفكرية الدينية عن أسلافه، وإنما يسعى ما استطاع لأن يتخذ منها أسلحة يواجه بها مشاكله الدنيوية، هذه المشاكل التي