انطوت سبعة أعوام منذ مات المغفور له جبرائيل تقلا باشا، ومن عجب أن تطوى ذكرى هذا الرجل العظيم معه، فلا يجرى ذكره اليوم حتى على ألسنة الذين أحسن إليهم وبوأهم من الشهرة مكاناً عليا.
والحق أن تقلا باشا كان من الرعيل الأول الذين خدموا الصحافة العربية، وإذا كان قد سبقه رجال عظام من أمثال المرحومين الشيخ علي يوسف ومصطفى كامل باشا وأمين الرافعي بك، فقد كان جل اعتماد هؤلاء الأعلام على صحافة الرأي، أما الصحافة الخبرية فلم ينهض بها أحد مثل تلك النهضة التي أضطلع بها تقلا باشا.
ولقد وقفت النهضة الصحفية عند الحد الذي تركه هذا لم تتقدم خطوة واحدة، وكل الذي حصل أن القارئين لم يعودوا يعتمدون على صحيفة واحدة يطالعونها، ومن ثم لم يعد في وسع صحيفة بعينها أن تقول إنها الصحيفة الأولى. وإذا كان هذا ما عناه تقلا باشا في ثورته الصحفية فقد أحسن، فليس من مصلحة القارئ ولا مصلحة المحرر أن تستبد بهما صحيفة واحدة تلمي على الأول آراءها وتدفع في ذهن الآخر أن ليس لم مرتزق فيما سواها.
ولقد كان في وطاب الرجل مستحدثات أخر، أعجلته الحرب عنها فأرجأها حتى حين، ثم طواه الردى فماتت بموته إلى حين.
ولقد كان تقلى باشا صحفياً حتى أخمص قدميه، وكان يعرف كل شيء عن الصحافة، كما كان بصيراً بالصحفيين يكاد يحصي أسماءهم جميعاً ويحيط علماً بكل واحد منهم ويدرك مدى نشاطه أو خموله فهو قد أحاط بهذه المهنة ودرسها من كل أقطارها.
كان يعمل ساعات الليل الأخيرة، يسأل عن هذا المقال، ويبحث هذا الخبر، حتى إذا اطمأن أوى إلى فراشه قرير العين. واذكر أنني جالسته مرات فكان يقول لي: ماذا لا تكتب في موضوع كذا؟ أو لماذا تركت النقطة الفلانية في موضوع كذا؟ وهذا دليل على أن الرجل كان أديبا فوق زعامته الصحفية.
وأذكر أنه عتب عليّ إذ كنت أتناول الموضوعات الإسلامية في صحيفته بشيء من