كنت في عداد اللذين احتشدوا لتأبين الكاظمي الشاعر في بغداد وأرهفوا آذانهم يستمعون إلى الزهاوي الشاعر المتفجع المتوجع.
جاء الزهاوي يومئذ يتوكأ على عصاه في جسم متهدم يصارع العلل ويناجز الأدواء وصعد إلى مرزح الخطابة وجلس على كرسي ووقف خلفه شابان حرصا حين شرع يلقي قصيدته على أن يمسكا بذراعيه إمساك الشفيق الذي يحذر أن تجمح العاطفة بالشاعر فيثور وينهض من مقعده وهو لا يقوى على الوقوف فيصيب الجسم الذي يحذر أن تجمح العاطفة بالشاعر فيثور وينهض من مقعده وهو لا يقوى على الوقوف فيصيب الجسم الذي ترادفت عليه الأسقام أذى شديد
راح الزهاوى يلقي قصيدته بصوته المتهدج، ونغمته التي انفرد بها، واضطرابه الجسماني حتى وصل إلى قوله:
الكاظمي قد اعتني ببلاده ... وبلاده بحياته لم تعتن
فنهض، وهاج، وتلظى قلبه الفتي يوشك أن يودي بجسمه المتهدم لولا حذر الشابين. ثم أنهى الزهاوي نشيده:
يا بلبل الشعراء مالك صامتا ... من بعد تغريد بشعرك مشجن
قد سرت قبلي للردى متعجلا ... ولعلني بك لاحق ولعلني!
وردد الشطر الأخير نشيجاً مؤثراً: ولعلني بك لاحق ولعلني! التفت إلى صديق يجلس بجانبي فإذا بدمعه يترقرق وقلت: أرأيت يا صديقي؟ إن الزهاوي يرثي نفسه في قصيدته، إن هواجسه تنم عن دنو أجله!! قال: صدقت ولكن شعره اليوم فيه فتوة وفيه حياة! قلت: إنها خفقة الذبالة الأخيرة كمنذر بانطفاء السراج؛ أنني مزمع على مغادرة بغداد قريبا وأحس برغبة ملحة تهيب بي إلى زيارته غداً زيرة الوداع الذي لا لقاء بعده. فماذا تقول؟ قال: ذلك ما أبغي
وانطلقنا في اليوم التالي إلى بيت الشاعر، ودخلنا عليه فإذا به جالس على فراش يتكئ على وسادتين، فرحب بنا وسر بزيارتنا؛ وكان أول ما حادثنا سألنا عن وقع قصيدته في