أتغير العيد، فلم يعد هذا الذي كان يبعث فينا السعادة: أم تغيرنا نحن، فلم نعد نصلح مهبطاً للسعادة؟
لقد كنا نحيا في العيد حياة أهل الجنة في الجنة؛ وكنا نفرح بالثوب الجديد فرح الفاتح المنتصر، ونرى في الدريهمات التي يمنحنا إياها أهلونا ثروة وأي ثروة؛ وكنا بامتلاكها كأنما نملك الدنيا، وكنا نرى في العيد كل شئ ضاحكاً زاهياً، وكنا نشعر أن الأنهار والوديان والنبات والحيوان والأرض والسماء تشاركنا كلها في سعادتنا وفرحنا؛ ثم أصبح العيد يقبل كما تقبل سائر الأيام، ويذهب كما تذهب، لا يهزمنا عاطفة ولا نرى فيه معنى جهيداً
لقد صرنا نملك الضياع والدور فلا تستخرج منا من السرور ما كان يستخرجه ثوب جديد، وصرنا نملك المال فلا يسعدنا إسعاد هذه الدريهمات التي كنا نأخذها يوم العيد؛ ولقد كان هذا الفرح بما نملك من ثوب ودريهمات فيه معنى الرضا والقناعة، فصار هذا الوجوم وهدم الشعور بما نملك فيه عدم الرضا وعدم القناعة
الحق أننا كنا نفرح بالعيد صغاراً، لأننا كنا على الفطرة الطيبة التي خلق الله الناس عليها، فلما انحرفنا عن هذه الفطرة أخطأنا الفرح بالعيد بقدر هذا الانحراف، وكان علينا أن نحافظ على روح الطفولة البريئة فينا، لنسعد بالأيام، ولا نشقى بالعيش والحياة. كان علينا أن نحتفظ بسرورنا، لنحتفظ بنشاطنا، وتقوى على ملاقاة أحداث الحياة. فالسرور استجمام واستعداد، والقلب المسرور المغتبط المستبشر أقوى على تحمل الحوادث من القلب الحزين المنقبض المكتئب. وإن الأمم التي تفرح كثيراً أقوى على تحمل الشدائد وعلى النجاح في الحياة من الأمم التي يقل نصيبها من الفرح والبشر والمسرة
وإنكم لتجدون في هذه الأيام أمماً تحمل من الشدائد ما تنوء به الجبال، ولا تتململ ولا تضجر، ولا تهن ولا تستكين، لأنها قوت أعصابها بالسرور، فجعلها أقوى على الاحتمال.