للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اختلاف المزاج وأثره في الأفراد والأمم]

وفي السياسة العامة

إذا رجعت معظم أسباب حوادث الطلاق التي تنشرها الصحف الإنكليزية، وجدت أن في مقدمتها اختلاف المزاج، وهو ما يعبرون عنه بقولهم ولا نفهم تماماً كيف يؤدي اختلاف مزاج الزوجين إلى تنغيص عيشتهما حتى يطلبا الخلاص منه بالافتراق.

نريد أن نقول: هل إذا كان الزوجان من أهل المزاج العصبي يكونان أقرب إلى الاختصام مما لو كان الواحد عصبياً حامياً والآخر بلغميا بارداً؟

قد يخيل إليك لأول وهلة أن الأمر كذلك، أي أن العصبي سريع الانفعال إذا لقي مثله تطاحنا وتقاتلا حتى يغلب أحدهما الآخر. ويبقى ذلك ديدنهما حتى يفرق بينهما تفريقاً لا اجتماع بعده.

ولكن العكس صحيح أيضاً. أي أن العصبي - وحدته ونزقه معروفان - لا يطيق أن يرى أمامه بلغمياً بارد الطبع، لأن الأول شعاره السرعة والثاني البطء، فيؤدي اختلافهما هذا إلى تخاصمهما بشدة لا تقل عن شدة تخاصم الأولين.

وصحيح كذلك أن العصبي حاد المزاج يطلب تنفيذ إرادته بلا تهاون، فإذا لقي أمامه صفراوياً أو بلغمياً بطيء الانفعال والتأثر فالغالب أنهما لا يعارضانه فيتم له ما يريد بلا خلاف ولا احتكاك ولا قتال

ويظهر أن هذا الحكم الأخير هو الرائج في السياسة، فقد تبدلت محالفات الأمم المختلف المزاج وتغيرت، وبقيت محالفات الأمم المتشابهة الأمزجة. فمن القبيل الأول محالفات أوربا في القرن الماضي كالمحالفة الثلاثية بين ألمانيا والنمسا وإيطاليا، والمحالفة الثنائية بين فرنسا وروسيا. فقد زالت هاتان المحالفتان ولم يبق لها أثر.

ومن القبيل الثاني تحالف بلدان ألمانيا وتحالف ولايات أميركا. وهما تحالفان يبقيان على الدهر لأن (الدم أكثف من الماء) كما يقول المثل الإنكليزي. وعلى هذه النظرية يقدرون تحالف الأمتين الإنجلوسكسونيتين في مستقبل الزمان - أريد بهما أميركا وبريطانيا.

وقد وجد الإنكليز والفرنسيون بالاختبار الطويل أن كل سعي في التقريب بين الأمتين نجح حتى حين، ثم لم يلبث أن فشل لأن المزاج الأولين الصفراوي مضاد لمزاج الأخيرين

<<  <  ج:
ص:  >  >>