العصبي. ومن ذلك كانت سلسلة حروبهما الطويلة التي بلغت أقصاها في عهد نابليون، ثم انتهت حروب نابليون ولم ينته عداؤهما. وقد تمكن الملك إدوارد السابع بكياسته وحسن سياسته من عقد الاتفاق الودادي بينهما، وظهر أن هذا الوداد ازداد توثقاً بتحالف الأمتين في الحرب العالمية وانضمام أميركا إليها بعد ما تلكأت نحو ثلاث سنوات عنها. ثم لما انتهت الحرب إذا هما كانتا في تاريخهما الطويل - أمتان دائمتا النفار إذا اصطلحتا اليوم فلتختصما غداً.
وهذا شأن الفرنسويين مع أميركا، ولكن بعد الشقة بينهما وقلة تصادم المصالح حالا دون بروز وجوه الخلاف. وحالت (مديونية) فرنسا لأمريكا دون إبداء مزاجها العصبي، وكانت خير شكيمة لتمادي جماحها على رجاء أن حسن سلوكها وكظم مزاجها العصبي وإحلال المحاسنة محل المخاشنة - تؤدي كلها إلى تجاوز أميركا عن مالها من الدين على فرنسا.
ولكن الأميركيين متصلبون في عزمهم على ما يظهر تصلب شيلوك في اقتضاء رطل اللحم من غريمه مما حمل فرنسا على التظاهر بشيء من الخلق العصبي الذي طالما أخفته المحاسنة والملاينة والمجاملة. فلما احتفلوا بعيد لافاييت في الأسبوع الماضي أوعزوا إلى وزير حربيتهم المارشال بتاين العسكري العبقري أن يخطب فخطب عاتباً، والعتاب أول درجات الخناق.
ذكر في خطبته مقاتلة الجنود الفرنسوية تحت لواء وشنطن دفاعاً عن استقلال أميركا وما كان من الود القديم بينهما ثم نعاه فقال أن الأمتين ليستا من الود الآن على ما كنتا في قديم الزمان
ولكن هذا الغضب المقنع بقناع العتاب اللطيف والغمز الظريف، لابد أن يكون صاحبه قد ندم عليه بعد ما وردت أنباء أميركا بأن الأميركيين لم ينسوا جميل لافاييت، بل قاموا قومة رجل واحد يعقدون الاحتفالات في جميع أرجاء فرنسا، ويدعوا مجلس أمتهم سفير فرنسا إلى احتفال عظيم في وشنطن يكون السفير ضيف الحكومة فيه، ورئيس الجمهورية خطيب الحفلة فيها خطبة مؤثرة، ويذكر مآثر فرنسا في شخص لافاييت.
ولكن ذلك لا ينقع غلة ولا يشفى علة، ما دامت أميركا تطالب برطل اللحم منقوص، هذا كله يجيء مصدقاً للقول أن اختلاف الأمزجة هو بيت الداء بين الأمتين كما هو بيت الداء