لم يكد حكم أسرة (تشو) ينتهي حوالي القرن السابع قبل المسيح حتى هوت بلاد الصين في أعمق أنواع الفوضى والاضطراب، وظلت ترزح تحت نير هذا التدهور السياسي والاقتصادي والأخلاقي نحو خمسة قرون. فلما ضيقت هذه الأزمة الاجتماعية الخناق وأحكمت الضغط، كان من الطبيعي أن تنفجر العقول الجبارة بعد أن استاءت الضمائر النبيلة؛ وكان من الطبيعي كذلك أن يحدث هذا الاستياء وذلك الانفجار آثاراً بارزة في الحياة الاجتماعية عامة، وفي الحياة العقلية بنوع خاص، وهذا هو الذي كان، إذ لم يكد ينتهي الثلث الأول من القرن السادس حتى كان كوكب تلك الشخصية البارزة الممتازة وهي شخصية (لاهو - تسيه) قد سطع في سماء الصين سطوعاً أعقبه انفجار ينبوع عبقرية أخرى فاقت الأولى عمقاً وسمواً، وتكاتفت وإياها على رفع الفلسفة الصينية إلى صفوف منتجات الأمم الراقية، تلك هي عبقرية (كونفيشيوس)
عرف (كونفيشيوس)(لاهو - تسيه) ولكنه لم يكن معه على وفاق في الآراء الفلسفية، بل كان وإياه على طرفي نقيض في أهم النظريات، إذ لم يكد (كونفيشيوس) ينضج ويعلن مذهبه حتى لاحظ الناس أن بين المذهبين خلافاً جوهرياً في القواعد الأساسية؛ ولم يكن هذا الخلاف حول عقيدة دينية أو رأي نظري، وإنما كان في الفلسفة العملية، لأنه نشأ من سؤال هام دعت إليه الحالة الاجتماعية في بلاد الصين، وهو:(ما هي الوسيلة الناجعة لإنقاذ البلاد من هذا التدهور؟)