للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ظاهرة جديدة في الأزهر]

للأستاذ محمد محمد المدني

انتهى العام الدراسي في الأزهر أو كاد، وانصرف الطلاب عن فصولهم إلى المذاكرة والإعداد لمرحلتهم المقبلة، وابتدأ الأساتذة فترة استجمامهم التي ألفوا أن ينعموا بها في كل عام إثر الدراسة وبين يدي الامتحان؛ أما أنا فقد عدت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر: عدت من دراسة (علم الأصول) في كلية الشريعة بين طلاب عليّ كرام، أحبهم ويحبونني، وأفهمهم حق الفهم ويفهمونني، وأبثهم نصحي وإرشادي فيستمعون إلى نصحي وإرشادي. غايتهم العلم فهم عنه باحثون، وبغيتهم الحق فهم له مخلصون؛ لم تطرف عيونهم الدنيا، ولم تسد مسامعهم الشهوات. رجعت من هذا الجهاد الأصغر، بل من هذا الجهاد الحبيب إلى النفس الذي نجد فيه معاشر الأساتذة لذتنا، وننشد بالتعب فيه راحتنا، إلى جهاد من نوع آخر قد حف بالمكاره، وأحاطت به الأهوال والصعاب من كل جانب: عدت إلى (الرسالة) الغراء أبثها آلامي وآمالي، وأسجل على صفحاتها آرائي وأفكاري، وأتعرض بذلك لسخط الساخطين، ولوم اللائمين، وكيد الكائدين.

عدت إلى (الرسالة) اخطب على منبرها العالي قوما تناط بهم الآمال في إصلاح هذه الأمة، ويرجى منهم النهوض بما حملهم الله من أمانة حين جعلهم حملة هذه الشريعة

عدت إلى (الرسالة) أنادي قوماً يحسبون صيحاتي لهم صيحات عليهم، فيثقل عليهم نصحي إذا نصحت، ويُحفظ صدورهم نقدي إذا نقدت، وتهيم بهم الظنون في أمري إذا سكت، وتنطلق الوشاة بي من حولهم كما تنطلق الصلال الرقطاء في الرمال البيضاء، ينفثون سمومهم، وينشرون شكوكهم، ويقولون: هذا شاب مغرور بنفسه، متطفل على ما ليس من شأنه. ليس هذا بكاتب يصور قلمه ما يشعر به قلبه، إنما هو فتى يردد ما يسمع أو يعلَّم ما يقول. ليس هذا بناصح أمين، وإنما هو عدو مبين. . . قالات سوء يرجف بها المرجفون، ويمكر بها الماكرون حتى لتطيش منها أحلام ما عهدناها أن تطيش، وتفتر بالهُجر من القول شفاه لم تكن تفتر إلا عن الحكمة والموعظة الحسنة!

فاللهم عونا على هذا الجهاد. أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير!

انتهى العام الدراسي في الأزهر أو كاد. ولسنا ننظر إلى الأزهر كما ننظر إلى أي معهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>