من معاهد التعليم فحسب، وإنما ننظر إلى الأزهر وينظر المسلمون جميعاً إليه على أنه الحصن الأخير الذي لم يبق سواه لشريعة الإسلام وثقافة الإسلام، فيجب أن نلتفت إليه في كل مناسبة، ويجب أن نهتم به في كل حركة، ويجب أن نتابع أخباره فلا يشغلنا عنها شيء.
وهاهو ذا قد أمضى اليوم عاماً من أعوامه الدراسية، فمن حق كل مسلم أن يعرض تاريخه في هذا العام، وأن يحاسبه على ما قدم أو أخر في شئونه الخاصة والعامة، ومن الحق على الأزهر أن يثبت لهذا العرض، ويصبر على هذا الحساب!
فما هو إذن تاريخ الأزهر في عام؟
لقد مضت قبل هذا العام أعوام كان الناس يتحدثون فيها عن أشياء كثيرة: كانوا يتحدثون عن (جماعة كبار العلماء) وما يرجى من نشاطها للقيام بواجبها. وكانوا يتحدثون عن (برنامج الإصلاح) الذي اقترح لها. وكانوا يتحدثون عن الكتب والمناهج الدراسية وما يرجى من إصلاحها وحسن الانتفاع بها. وكانوا يتحدثون عن المقررات التي يمضي العام ولا يقرأ منها إلا القليل. وكانوا يتحدثون عن نظام (المراقبة العامة) على التعليم العالي ولأي غرض أنشئت. وكانوا يتحدثون عن الفقه الإسلامي وواجب الأزهر في وصله بالحياة العامة وعرضه عرضاً يوافق روح العصر. وكانوا يتحدثون عن نظام التخصص وعيوبه التي ضج منها الطلاب وغير الطلاب. وكانوا يتحدثون عن مجلة الأزهر التي هي لسانه وعنوان ثقافته وأداة الدفاع عنه. وكانوا يتحدثون عن واجب الأزهر في الاتصال النافع بمراكز الثقافة وأندية العلم ولجان التشريع. وكانوا يتحدثون عن مكتبة الأزهر وكنوزها الدفينة التي كاد يأتي عليها البلى بعد أن أتى عليها النسيان. وكانوا يتحدثون عن رسائل الجماعة الموقرة، تلك الرسائل التي تكتب لتختبئ فلا تراها عين ولا تسمع بها أذن!
كانوا يتحدثون عن ذلك كله، وكانوا يتحدثون عن غيره مما لست أذكر الآن، وكانت (الرسالة) سجلاً واعياً لهذه الأحاديث، ولساناً ناطقاً بهذه الآمال، بل كان البرلمان بمجلسيه يتحدث عن بعض ذلك، ويتقدم أعضاؤه فيه بالأسئلة والاستجوابات، وترسل لجانه إلى مشيخة الأزهر بملاحظاتها على التعليم ومستواه، وعن (الأمثلة البادية العوار) التي لا ينبغي أن تبقى ماثلة تتأذى بها العيون. . . الخ. الخ.