للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التعليم المختلط]

للأستاذ رفعة الحنبلي

أجابت الأمم العربية، في الآونة الأخيرة، لنوازع التجديد الأوروبي الحديث من نواح عديدة، سياسية واجتماعية، أدبية وعلمية، فأخذت بالبعض منها وهمت بالبعض الآخر؛ وأبعد هذه النواحي أثراً فيها الناحية العلمية التربوية التي أخذت بها، إذ أنها استبانت طريقها على ضوئها، وبدأت تتمشى حسب أنظمة التعليم الحديثة في معاهدها وكلياتها وجامعاتها، بعد أن بقيت ردحاً من الزمن محافظة على القديم منها، وراحت تتفهم مبادئها السليمة وتتلمس طرقها القويمة، وتزاوج بين القديم منها والحديث إلى أن أسبلت عليها رداء جديداً، وأسبغت عليها لوناً طريفاً، فرضيت به كمبدأ يستحثها على مماشاة النهضات العلمية العالمية، ويدفعها إلى تبوء مركزها الرفيع بين الأمم

وفي الواقع نرى الأمم العربية قد أعدت نفسها إلى الأخذ بهذه المبادئ التربوية - التي اعتكف علماء التربية على دراستها دراسة وافية شاملة، والتفقه فيها تفقهاً عميقاً، طوال سنين عديدة - فأقبلت عليها وسارعت إلى إقرارها، وكان أن تبدلت الأنظمة، وتغيرت الأسس وتلونت المناهج وفقاً للمبادئ التعليمية الحديثة التي تتلاءم مع احتياجات المجتمع وتطور البيئات؛ ومن أهم تلك المبادئ مبدأ التعليم كثر الجدل حوله بين كبار المربين، واحتدم الكلام بين علماء النفس في منافعه ومضاره، فمنهم من أقره ورغب فيه، ومنهم من أنكره وصدف عنه، ولكل منهم أنصاره وأعوانه وحججه وتجاربه

على أن الأمم العربية لم تأخذ بهذا المبدأ - مبدأ التعليم المختلط - في جميع مراحله من ابتدائية وثانوية وجامعية، بل اقتصرت على الدراسات العالية، أو بالأحرى اقتصرت على الدراسة في الجامعة وحسب، ولذا نشاهد ارتياد الفتاة الجامعات دون غيرها

لنتصفح أوجه الرأي المختلف عليه في قضية هذا التعليم المختلط، ولندرس عناصره وعوامله ولنقف على ظاهره وخافيه، ولنرسم خطوطه الكبرى كي نتفهم خصائصه ونستبطن دخائله

إن أول أمة أخذت بالتعليم المختلط هي الأمة الأمريكية، وهو طريقة تعليمية جديدة من مبادئه أن يتلقى الفتيان والفتيات التعليم والتثقيف معاً في معهد واحد وفي وقت واحد، مع

<<  <  ج:
ص:  >  >>