رأينا أن أبا تمام لم يشتغل طول حياته بغير الشعر تأليفاً وتصنيفاً، ورأينا كيف كان يختار مرة للمشهورين ثم يختار أُخرى لغير المشهورين، فيحكم ذوقه النقاد في الحالين، فلا يقدم إلينا إلا كل درة وكل غرة من درر الشعر العربي وغرره. . . ولم يكن أبو تمام مصنفاً ومؤلفاً فحسب، بل كان حافظاً، بل كان أعجوبة في الحفاظ الذين اشتهر بهم تاريخ الفكر العربي. . . ورأينا اتفاق آراء خصومه وأصدقائه على أنه كان يأخذ المعنى، فيعني بتخميره - على رأي الآمدي - أو بالاتكاء فيه على نفسه - على رأي الصولي - حتى يخلص له آخر الأمر، أو لا يخلص له، بل يشوهه وينقص منه، كما صرح بذلك دعبل وابن الأعرابي التوجي وأبو هفان وأبو حاتم السجستاني وغيرهم من أعداء أبي تمام. . .
وقبل أن نأخذ في عرض طائفة من سرقات أبي تمام، مما استدركه عليه الآمدي، لا نرى بداً من وضع خلاصة لذلك الفصل القيم الذي ختم به الأستاذ العلامة أبو الفتح بن الأثير كتابه (المثل السائر، في أدب الكاتب والشاعر) والذي خصصه للسرقات الشعرية، ولا سيما عند أبي تمام والبحتري، وابن الرومي والمتنبي، وهو فصل من أبرع الفصول في بابه، وأكثرها إحاطة بهذا الموضوع الذي تشعبت أطرافه، وكثر فيه إرجاف الرواة والنقاد. ومن الطريف أن ابن الأثير المتوفى سنة ٦٣٧هـ كان قد ألف في ذلك الموضوع كتاباً قائماً بذاته، ثم ضاع هذا الكتاب، فعوضنا منه بذلك الفصل خيراً
١ - فعند ابن الأثير أن الشاعر إذا أورد شيئاً من ألفاظ شاعر آخر، في معنى من معاني هذا الشاعر، ولو كان ذلك لفظة واحدة، فإن ذلك يكون دليلاً قاطعاً على سرقته.
٢ - ويقسم السرقات الشعرية إلى خمسة أقسام: هي النسخ، والسلخ، والمسخ، واخذ المعنى مع الزيادة عليه، ثم عكس المعنى إلى ضده
٣ - أما النسخ، فهو أخذ اللفظ والمعنى برمته، من غير زيادة أو نقصان؛ وأما السلخ فهو أخذ بعض المعنى، وأما المسخ فهو إحالة المعنى إلى ما دونه
٤ - ويعود ابن الأثير فيجعل النسخ على ضربين: فإما أخذ كلاماً كما تقدم، وأما أخذ معظم