قرأت لك كل ما سطره قلمك منذ أن تناولت قلمك لتكتب. تتبعت فصولك النقدية في (العالم العربي) ثم تتبعت بعد ذلك مقالاتك وتعقيباتك في (الرسالة)، وكما تبدي رأيك في الغير فلا بأس أن أبدي رأي فيك. إن ملكتك الناقدة هي خير ملكاتك جميعاً، بل هي خير ملكة إذا ما وضعت ملكات النقاد المعاصرين في الميزان!. . . بالله لا تتعرض لهذه الكلمات بالحذف إذا ما نشرت هذه الرسالة وعقبت عليها، إنها رأي حر يبديه فيك إنسان قرأ أكثر ما أخرجته المطبعة في الشرق والغرب من دراسات نقدية، إنسان يزن أقدار الناس ويؤمن بما يقول. . . ولولا إيمانه برأيه لما لجأ إليك يسألك بعض العون في فصل من فصول كتاب يضعه منذ شهور عن الأدباء المعاصرين!
إنني أعرف أنك صديق قديم لهذا القصاص العبقري توفيق الحكيم وليس من شك في أنك قد درست شخصيته الفنية من خلال كتبه دراسة ناقد، ودرست شخصيته الإنسانية من خلال معرفته دراسة صديق، أعني أنك تستطيع أن تربط ما بين الشخصيتين لترسم لنا صورة دقيقة لهذه الشخصية المزدوجة التي تبدو لعيني مبهمة ولفكري معقدة. . .!
إن شخصية توفيق الحكيم هي الشخصية الوحيدة التي أقف منها دائماً موقف الشك وعدم الثقة من ناحية وزنها والحكم عليها، حتى هؤلاء الذين اتصلت بهم من معارفه ليحدثوني عن طبيعته النفسية كما هي في واقع الحياة والفن، لم يستطيعوا للأسف أن يمدوني برأي فاصل أطمئن إليه؛ يبدو أنه مبهم حتى على الذين يعرفونه ويتصلون به. . . لست أدري إن كنت سأجد عند قلمك مفتاح هذا الباب الموصد أو مفتاح هذه القلعة المغلقة! إنني أرجو إذا تحققت هذه الأمنية ألا تسبب لك هذه الرسالة بعض الحرج إذا ما كشفت عن أشياء قد لا ترضي صديقك. . . مهما يكن من شيء فلا تنس أنك تؤرخ للأدب، وأن النكوص عن ذكر الحقائق في سبيل إرضاء الصداقة من شأنه أن يجرح التاريخ الأدبي والضمير الأدبي، وهذا هو الانحراف الذي أنزه قلمك عن الوقوع فيه!