أخذ الناس على أنفسهم أن يتجنبوا سبيل الأخطاء، ووضعوا نصب أعينهم أن يحيدوا عن طريق الأغلاط؛ ومع ذلك فكثير منهم من يهوى في هاويتها، ويتردى في حمأتها؛ بل أصبحت وكأنها من مستلزمات الحياة؛ أو من ضروريات البشر، فقد ترى البعض يتدارك الخطأ قبل وقوع في نتائجه، والآخر يقع فيه ويتخبط في إشراكه وجرائره.
بيد أن الأخطاء كثيراً ما يمحو بعضها بعضاً. وهنا نرى أالقدر يشاء للعض أن يجني من وراء ذلك ويربح. . . ويشاء للبعض الآخر أن يخسر من جرائه بل ويهلك.
أخذت يد (جرافيل فورلاند) ترتجف ارتجافاً تحت المصباح الكهربائي الموضوع على المكتب؛ وهو يترع كأسه من شراب البراندي. وما كاد يفرغ من ذلك حتى تقلصت يده على الكأس وتمتم: لقد انتهى كل شيء، وعما قريب سأمسي في حالة أخرى آن بها كل عدوان الدنيا وغدرات الناس، وهجران الزمن.
ثم غيب يده في درج المكتب وأخرج مظروفاً وضعه نصب عينيه.
لقد طالما عاب عليه رئيسه الكولونيل باكستر إهماله وتوانيه، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل راح يقدح فيه وينال منه أمام زملائه في الجيش وإخوانه، وقد قال له فيها قال. . . (فورلاند!. . سوف لا تسلم من ارتكاب الحماقات والأخطاء مادمت حيا. . إن حياتك لمليئة بالأغلاط، مفعمة بالأخطاء منذ أن أدركت معنى الحياة. وإني أقول لك على رؤوس الملأ: (إن دخولك في رحمة الله أو إلقائك في قرار الجحيم لن يكون ألبته سولا نتيجة حتمية لإحدى هذه الغلطات. . أيها الرجل! إنك تعيش على الأخطاء وستموت من جرائها).
وأطلق فورلاند العنان لأفكاره تحلق في أجواء السنتين الماضيتين، وهو يكتب عنوان الكولونيل على الظرف.
ونحى المظروف جانباً، ثم أمسك بإحدى يديه الرسالة التي كتبها منذ لحظة. بينا كانت يده الأخرى تعبث في حركات عصبية مضطربة بمسدس متوسط الحجم.