أما أن اليقظة الإسلامية قد غمرت دنيا المسلمين على رحبها - فهو مما لا ريب فيه، وأما أن المصلحين من مختلف الأقوام الإسلامية قد خطوا هذا العام المنصرم إلى الوحدة والتقريب بين القلوب خطوة واسعة مباركة - فهو مما لا يخامرنا فيه أدنى هاجس من الشك، ولسنا اليوم بصدد التدليل على هذا كله، ولسنا كذلك نحاول أن نذهب في تصوير الأمر مذهباً يغشى على الحقيقة فنجني الجناية الكبرى على هذا الأمل المشرق الذي نمشي على هداه إلى المثل الكريم الأعلى الذي ننشده
لقد عمل المصلحون في الآونة الأخيرة كثيراً، واستطاعوا أن ينشئوا خلقاً جديداً في المسلمين، خلقاً يقول، إن حوادث التاريخ إذا استحال أن يتغير مجراها فتنقلب عما وقعت عليه فليس من المستحيل أن نغير نحن مجرى أهوائنا المتدافعة، ونقلب هذه الأفكار السائدة علاقات أهل القران رأساً على عقب أو نستبدل بها خيراً منها، فإذا نحن أمة متكتلة تظلها راية الله العليا، تلك راية الإسلام الحنيف، ولكن هنالك خلفاً آخر في المسلمين لما يزل من خلق الأيام الغابرة السوداء، الأيام التي أخذ الناس فيها بالجانب البغيض من صفحتي التاريخ الإسلامي، وأعرضوا عن الجانب الحبيب الأغر اللامع، وهذا الخلق في المسلمين - وهو كثير وآ أسفاه - يجب على المصلحين أن يرحموه، أن يشفقوا على ذهنيته الضيقة الساذجة فلا يوقرونها بما لا تطيق احتماله وهي على هذا الضيق بفهم الأمور، وأن يأخذوا بيده إلى مشارق النور بهوادة ورفق حتى يلمس الحق هو بنفسه، وأن يتملقوا أحاسيسه المختولة المخمورة بأغنيات التعصب - وناهيك بالتعصب ضارباً على وتر الأحاسيس الواهنة - ولا يحسبن القارئ الكريم أنني أدعو إلى اتباع العامة ومجاراة أهواء الدهماء ونزعاتها الهوجاء، فأنا - شهد الله - من أشد الناس نقمة على جماعة العلماء الذين يتملقون السواد، ويهابون اندفاعات الجماهير، ويسترون - من أجل ذلك - الحق خشية من غضب هؤلاء عليهم، فيقطعون معايشهم ويحطمون عروش أمجادهم، ويؤثرون عرض الحياة الدنيا على أن ينطقوا بكلمة الصدق ويقيموا شعائر الحق. غير أني - على ذلك - أخشى هذا