للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بقية المذهب]

للأستاذ عباس محمود العقاد

في مقالي السابق (قنطار ثمين) قلت رأيي في الجسم الجميل وهو (الجسم الذي لا فضول فيه، والجسم الذي تراه فيخيل إليك إن كل عضو فيه يحمل نفسه، غير محمول على سواه)

ومن الواجب في هذا المقال أن أذكر أن الجسم الجميل غير الجسم اللذيذ وغير الجسم الصحيح وغير الجسم القوي وغير الجسم النافع، لأن الجسم قد يكون نافعاً أو قوياً أو صحيحاً أو لذيذاً، وهو في كل ذلك غير جميل

قيل لبعض الحكماء: إن فلانة كبيرة البطن ضخمة الثدي فقال: (نعم، حتى تدفئ الضجيج وتروي الرضيع). . . فهذا وصف صادق للجسم النافع ولكنه لا يستلزم جمال الجسم الموصوف، كما يقال إن هذا الكساء يدفئ صاحبه و (يعيش) سنوات ولا يستلزم ذلك جماله فيما يكون به جمال الكساء

نعم ويجب أن نذكر للذين يخرجون من (درس الألفية) ليفصلوا في مذاهب الجمال أن المرجع في هذه الآراء لن يكون إلى أعرابي قضى حياته في بادية جرداء وفي جاهلية عمياء، وإنما يكون إلى أناس سلمت لهم محاسن الأذواق ودرسوا فلسفة الجمال وأصلحوا مئات من الأجسام الجميلة وفاقا لعلم الصحة وفن الرياضة البدنية وأساليب التحسين والتقويم المتخذة في معاهد التطرية والتنسيق، واستعانة بأصول التشريح وأصول التلوين والتظليل، وتجارب التاريخ التي عرضت عليهم صنوفاً من الشمائل الإنسانية في كل أمة خلقها الله

لقد وصف بعض الأعراب نساء (محبوبات) فاستملحوا الضخامة ومدحوا الكسل وبطء الحراك، وافتتن أميرهم بعذارى قال في وصفهن ما يقال في وصف الغيلان:

وظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل

نعوذ بالله!

فإن كان هذا وأشباهه وصفاً لشيء فهو وصف للجسم الشهي أو الجسم اللذيذ، وليس بوصف للجسم الجميل على اعتبار الجمال معنى من المعاني التي تقاس بالإدراك، كما يقاس معنى البيت البليغ، ومعنى الصورة البارعة، ومعنى التمثال المتقن، ومعنى الخيال

<<  <  ج:
ص:  >  >>