والرجال في تفضيل الجسم الشهي أو الجسم اللذيذ مذهبان مختلفان:
رجل عنده عادة الاستحسان كعادة التدخين، فهو يألف طرازاً واحداً من (المرأة) كما يألف المدخن لفيفته المعهودة، فلا يغيرها ولو كان الخلاف بينها وبين غيرها كالخلاف بين علامة (الجمل) في التبغ الأمريكي وعلامة (الخلطة السعيدة) وهما من أصل واحد
هذا الرجل إذا استحسن المرأة الطويلة لم تعجبه القصيرة ولو كانت لها ملاحة ونضارة ومتعة وحلاوة
وإذا استحسن السمراء لم تعجبه البيضاء، أو استحسن بنت العشرين لم تعجبه بنت الثلاثين، أو استحسن المصرية لم تعجبه الإنجليزية أو الروسية، وهما معجبتان
هذا مذهب
والمذهب الآخر مذهب رجل يستحسن النساء كما يستحسن الفاكهة، أو كما يستحسن صحاف الطعام، والمعول على صناعة الطاهي وغواية الأوان!
فالتفاح مقبول، والبرقوق كذلك مقبول، والتين لا يرفض، والجميز لا يعاف، والشواء مستطاب، والسمك المملح له وقت يجوز اشتهاؤه فيه
ومن المعقول أن يشتهي أعرابي من الأعراب امرأة سمينة موفورة الشحم واللحم قليلة الحركة نؤوم الضحى كما يقولون، فإنما عاش الأعراب في صحراء يسوّمون فيها الناقة بمقدار ما عليها من لحوم وشحوم، ويكبرون فيها الأغنياء بمقدار ما يأكلون من سمن ولبن ودهون، ويقال فيها إن فلاناً يملأ جوف امرأته بما يسمنها ويقعدها عن الحركة فيحسبون ذلك غاية العزة والفخار، وذروة النعمة واليسار
أما نحن في عصرنا هذا الذي تتحرك فيه المرأة لتلعب في ميدان الكرة والصولجان إن لم تتحرك لتخدم نفسها وذويها في بيتها، والذي تعددت فيه مظاهر الغنى فلا يحسب فيه امتلاء الجوف بالطعام عنوان وفر وثراء، ولا تحسب فيه الناقة ولا ألبانها (وحدة المعاملة) في الأسواق. . .
أما نحن في هذا العصر فما حاجتنا إلى اقتداء بذلك الأعرابي فيما استملح واستطاب، وما لنا ولغيلانه وعذاراه، أصلحه الله وأشبعه ورواه!