(مهداة إلى الأستاذ علي الطنطاوي، رجاء ألا ينفذ وعيده من
هجر الكتابة وكسر القلم، احتجاجا على ما تمنى به مقالاته
البارعة من مشوهات التصحيف والتحريف).
لو يعلم الأستاذ الجليل علي الطنطاوي أنى لا أكاد أقع على تصحيف واحد في مقالاته، إلا أن ينبه هو عليه بتصحيحه في ذيل مقالة تالية لأخذ منه العجب مآخذه. ذلك آني اقرأ عباراته على صحتها، وأتناولها في الأغلب على وجهها؛ فيسبق لساني إلى كلمة (المضري) مثلا، وهي أمام عيني محرفة إلى كلمة (المصري)، ولا أكاد أتنبه إلى أن (يطير به) تصحفت إلى (يطر به) الخ. وما اشك في إن كثيرا من قراء (الرسالة) يفعلون ذلك دون تكلف أو عناء.
ولست اعرف الأستاذ بمجهول لديه حين أقول إن التصحيف والتحريف والتبديل والتطبيع، هي ضرائر في لغتنا لا مخلص لنا منها، مرجعها إلى تشابه في بعض الحروف لا يجدي معه شكل أو إعجام. وأين نقع نحن من أسلافنا - أرباب الفصاحة وفرسان البيان - وهم قد أتوا من فنون هذا التصحيف بما اضحك منهم الثكالى وجفف دموع الباكيات؟ بل أين من سلم في القدماء والمحدثين من هذه الآفة، أو تهدى إلى وجه الخلاص منها، إلا إن يكون - على حد قول العسكري صاحب كتاب (التصحيف والتحريف) - (ممن افتن في العلوم، ولقي العلماء والرواة والمتقدمين في صناعتهم، المتقنين لما حفظوه، واخذ من أفواه الرجال، ولم يعول على الكتب الصحفية، ولم يؤثر شدة الراحة والتقليد على تعب البحث والتنقيب. . .)؟
هذا كتاب الله الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. . . لم يسلم ممن يعرض له بالتصحيف والتحريف، وهو ما هو سريانا على السنة المسلمين، والتقاطا بقلوبهم، وتمكنا من صدورهم، لولا أن صدق الله في وعده:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).