منذ خمسين عاماً على التقريب لمع في سماء الغرب كاتب من أوسع كتابه ثقافة، وحكيم من أعمق حكمائه فكرة - هو الأديب الفرنسي المشهور رومان رولان الذي لا يجهله أحد من قراء الأدب العالمي الحديث.
ومما طالعته لهذا الكاتب الخلاب مقالة مطولة فيها نكبة فرنسا في الحرب الأخيرة وانتهى في تحليله إلى نتيجة فلسفية رائعة أن الأمم الضعيفة الأخلاق الماجنة التفكير في أدبها وحياتها، يتسرب إليها الخمول والاستسلام تسرب الانحلال في الشجرة لنخرة. فإذا لم تتلاف الأمم هذا الداء الوبيل قاضية على جراثيمه الفتاكة إلى الانقراض على ما يذكر التاريخ.
لقد أصاب هذا المصلح الكبير في تحليله. فهذه أمم الأرض وهي بين منقرضة هجرتها الحياة وخاملة يواكبها الفناء، نرى أن الضعف الأخلاقي والأدب الماجن المستهتر والانغماس في أقذار الدعارة كانت السبب الأهم في انهيار صولتها، وانطفاء أنوارها، وانطواء أعلامها في ساح الجهاد.
ذكرني وقال رومان رولان بما قرأته من أعوام للبحاثة الأسباني (أسين بالسيوس) عن تأريخ الشعب الفارسي وقد عزا سقوط الفرس، بعد أن دوخوا الأمصار واستظهروا في مختلف مرافق الحياة، إلى الضعف الأخلاقي الذي تمشي في آدابهم وضروب معيشتهم مثبتاً صحة كلامه بشواهد عديدة تشير كلها إلى أنواع الدعارة والفحشاء والانحطاط النفسي التي تمرغوا في أوحالها مستهينين في إرضاء حواسهم البهيمة بهدم كل قانون سام ونظام اجتماعي. ومن شواهده التي أودعها كتابه المذكور هذه الدعوة الوحشية وقد شاعت في عصرها شيوعاً عظيماً وهي للحكيم (شنهار). وفيها يقول:
(الويل كل الويل، لمن يكفر بالخمرة واللذة المصحوبة بنوبة من الذهول. فإن جزاءه الجحيم إذ تكوى روحه الشريرة بالنار، وتقطع أطرافه وأوصاله بالسكاكين والكلاليب، ثم يقذف في بئر من الدم طعاماً للأفاعي والغيلان. أما الذي يقبل على تقديس الخمرة واللذة فطوبى له إذ ينال رضي خالقه فيعيش سعيداً، ويموت سعيداً).