للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

هو سماع الحديث. لا سماع الغناء:

يعثر الإنسان أحياناُ أثناء مطالعاته على أشياء تستدعي النقد أو تستوجب التصحيح فيتجاوزها. ولا يعني بها لأنه إذا تولى نقد أو تصحيح كل ما يعثر عليه فإنه لا يجد من الوقت ما يسعه، ومن هدوء البال ما يعنيه. وقد ينشط أحياناً فينهض لبيان ما يجد من خطأ وبخاصة عندما يقف على أمر لا يصح السكوت عليه أو الإغفاء عنه

ومن ذلك أني كنت أقرأ في الجزء الثاني من كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ الذي خرج بتحقيق وشرح الأستاذ الفاضل عبد السلام هارون فإذا بي أجد في الصفحة ٣٢٢ من هذا الجزء: (وقال ابن عون: أدركت ثلاثة يتشددون في السماع، وثلاثة لا يتساهلون، فالحسن والشعبي والنخعي، وأما الذين يتشددون محمد بن سيرين والقاسم ابن محمد ورجاء بن حيوه)

وقد حسب الأستاذ هارون أن السماع في هذا الجزء هو سماع الأغاني! فآثر كلمة (المغاني) بالمعجمة التي وجدها في بعض نسخ الأصول؛ على لفظها بالمهملة التي جاءت بأصول أخرى، وأخذ يفسرها على ما ظن تفسيراً لا أدري إن كان يرضي أئمة اللغة أم يغضبهم!

فقال في شرح الكلمة (المغاني جمع مغنى مصدر ميمي من غنى يغني! ل والتيمورية. المعاني بالمهملة تحريف) أي أن هذه الكلمة قد جاءت في نسخة مكتبة كوبرلي والنسخة التيمورية بالمهملة والذي قال عنه الأستاذ أنه تخريف هو الصحيح، وأن صحة الكلمة المعاني بالمهملة كما جاءت بهاتين النسختين، والسماع هو السماع الحديث النبوي لا سماع الأغاني

وقد جاءت عبارة ابن عون هذه لأن نقل حديث رسول الله على حقيقة لفظه أو بمعناه كان موضع خلاف بين الصحابة ثم امتد هذا الخلاف إلى التابعين ومن بعدهم فكان من الصحابة الذين يجوزون رواية الحديث بالمعنى: على وابن عباس وأنس وجماعة معهم، وكان الذي يمنع ذلك ابن عمر، أما التابعون فكان الذين يتشددون في رواية الحديث على لفظه، محمد بن سيرين والقاسم بن محمد ورجاء بن حيوة، والذين يتساهلون في ذلك الحسن والشعبي والنخفي، ومن هنا جاءت كلمة ابن عون التي رواها الجاحظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>