ترى في هذين الكتابين مثلين من ألوان الأدب العصري في مصر. أما أولهما فمجموعة مقالات تتخللها عدة أقاصيص مترجمة، قسمه المؤلف خمسة أقسام: دراسات أدبية، واجتماعيات وصرخات، ووجوه وأروح، وقصص. ولذلك كان الكتاب في بنائه وفي موضوعه لا يخرج كثيراً عن ذلك النوع من الأدب المعروف (بأدب المقالة)، فلقد جمع المؤلف شتيت ما كتب في مناسبات مختلفة وأطلق عليه اسم وحي العصر، وإن كان هذا الاسم يوحي إليك فكرة متصلة أو دراسة مفصلة للعصر الذي يعيش فيه
تطالع الفصل الأول (وحي البيئة والعصر في الأدب الحديث) فترى الكاتب يقرر أن الأدب الحي الجدير بالبقاء هو ما جمع بين تأثير البيئة وإيحاء العصر، وتراه من أجل ذلك يعيب على أدبنا العصري خلوه من هذه الصفة، بينما هو يمتدح الأدب الأوربي ويعجب به، وهو إذ يورد لك الأمثلة في أدبنا ينسى أن ما يشكو منه إنما هو وليد البيئة، كما جاء في كلامه عن طريقتنا في الحب والشعر مثلا؛ والغريب أنه يشير إلى العلة، وهي بعد المرأة عن الرجل! أوليس تأثير البيئة الذي يدعوا إليه واضحاً في هذا؟ وكيف يتسنى لنا أدب آخر مع ما نحن عليه؟
وإنك لتنتظر أن يدور الكتاب على تلك القاعدة التي يدعو إليها، فإذا بك لا تكاد تحس أثراً لبيئتنا إلا في تلك القطعة الجميلة القوية وهي (المرأة المصرية قبل الكفاح الوطني وبعده) وماعدا هذه فالصيغة كلها غريبة، أوربية وأمريكية، ففي مقالة (الصدق في الأدب والحياة) تجده لا يقتصر عن اتهام أدبنا فيرمينا بأننا نؤثر اللذة على الألم في إنتاجنا ضعفاً منا وجبنا، ثم هو يعيب علينا كثرة الخيال وضعف قوى العقل، يعيب ذلك علينا في الشعر والقصة، وهو لا يجهل أن الشعر في العالم قديمه وحديثه شرقيه وغربيه وليد الخيال، وأن القصة تفقد أهم عناصرها إذا غلب فيها التحليل والدرس على الخيال الشعري القوي، فإذا