تضم الموالد - علاوة على الناحية الدينية - بعض عناصر اللهو وضروب التسلية التي اشتهر بها المصريون. بل إن جميع الاحتفالات الدينية في مصر وفي غير مصر، وفي الأزمان الحديثة والقديمة على السواء - لم تكن احتفالات دينية بحتة، بل كان يداخلها دائما شيء من اللهو والعبث. فهوميروس مثلا يذكر لنا الشيء الكثير عن الألعاب الشعبية، وأنها كانت تؤلف قسما هاماً من أعياد اليونان الدينية. والمصريون معروفون بروحهم المرحة التي تحب الانطلاق، فهم لا يتركون فرصة تمر أمامهم حتى يغتنموها ويطلقوا أنفسهم العابثة على سجيتها، ويملئوا الدنيا لهواً وعبثاً، ويثيروا حولهم أكبر ضجة مستطاعة، كما هي عادتهم في المناسبات وفي غير المناسبات
وجو الموالد جو صاخب، كله ضجيج وترتفع فيه الأصوات المتنافرة من كل جانب، ولكنها على تنافرها يقوم بينها نوع من الائتلاف والانسجام يجعل لها وقعاً غريباً في النفس، ففي ناحية نجد مشارب (البوظة) تنبعث منها أصوات الغناء السوداني: أيوه أيوه من السودان:
سرجوا الصندوق يا محمد ... لكن مفتاحه معايا. . . الخ
يصحبه توقيع جميل منتظم على الصناجات، ولكنه يضيع ويتلاشى أمام دوي موسيقى غريبة صاخبة منبعثة عن (شخشاخة) كبيرة، ويصحب ذلك الرقصة السودانية المعروفة باسم الرانجا أو الرانجو؛ ومن ناحية أخرى ترتفع أصوات باعة الليمونادة والتمر هندي والعرقسوس والشربات وباعة السجاير ومن ورائهم (جامعو الأعقاب)؛ ومن هنا وهناك ترتفع أصوات باعة (عرائس المولد) يتغنون بمزايا عرائسهم ويعددون صفاتها وجمالها، وقد زينوها بأجمل زينة، ووضعوا إلى جانبها خليطاً كبيراً من الأرانب والكلاب والدجاج والبط (وكل ذلك مصنوع من الحلوى بلا ريب). . ويتفنن باعة العرائس في عرض عرائسهم، وهم في الغالب لا يكتفون بعرض العرائس وحدها، بل يأتون لكل عروسة منها (بعريس) ويسكنان الاثنين معا في حجرة صغيرة بها مخدع ومرايا وما إلى ذلك. . . وكثيراً ما يستوحي باعة العرائس القصص الشعبية مثل عزيزة ويونس أو قصة أبي زيد