هي آلة عجيبة ذات مبدأ ثابت لا تحيد عنه، ولا تعرف غير الاتجاه نحوه، فهي دائماً وأبداً تتجه نحو الشمال والجنوب. هذه الآلة العجيبة المغناطيسية تستعمل في السفن البحرية لإدارة سيرها ولها تاريخ عجيب أوقع العلماء في حيرة وارتباك، إذ لم يستطع أحد منهم البت في نسبة اختراعها، بل لم يستطع الوصول إلى جواب شافٍ مرضٍ عن السؤالين الآتين: ممنْ اخترع هذه الآلة؟ لمن الفضل في إيجادها واستعمالها والاستفادة منها؟ يدعى الصينيون أنهم أول من اخترعها، ويدعى ذلك أيضاً العرب واليونان والاترسكيين والفنلنديين والطليان. تدعى كل هذه الشعوب السبق في اختراعها وفي استعمالها، وكل منها يقول إنه هو السابق في الانتفاع من هذا الاختراع، وكل منها يقول إن الآخرين كانوا عالة عليه في استعمال بيت الإبرة وفي الاستفادة منها، وكل منها يقول أيضاً إن الفضل في تقدم صناعة البوصلات البحرية رجع إلى علمائه ومشاهير بحارته
بحث الباحثون في أصل الإبرة واختراعها، وأخذ البحث معهم وقتاً طويلاً وسبب لهم عناء عظيماً، وبرغم كل ذلك لم يقفوا على الحقية، ولم يتمكن عالم من معرفة تاريخ تطور صناعة البوصلات البحرية معرفة تؤدي إلى نتائج جلية واضحة، معرفة تزيل سحب الشك والغموض المحاط بها أصل اختراع الآلة المذكورة، فهي حقاً آلة عجيبة ولها تاريخ أعجب، واختلاف الأمم على ذلك مما يثير الدهشة والاستغراب
لقد اطلعنا على أكثر ما قيل في هذا الصدد وعلى بعض ما كتبه العلماء في المجلات ودوائر المعارف في هذا الموضوع، واستطعنا من كل ذلك تكوين فكرة عن أصل الإبرة وتاريخ اختراعها واستعمالها وكيفية الانتفاع منها في الأسفار البحرية، وسنعطي رأياً في ذلك على ضوء معلومات وبحوث الذين سبقونا في ولوج هذا الباب
وقبل الخوض في البحث يجدر بنا أن نذكر شيئاً عن المغناطيس وعن رأي الأقدمين فيه فهذا مما يسهل علينا الدخول في موضوع المقال
عرف اليونان شيئاً عن المغناطيس، وكلمة مغناطيس مأخوذة من لغتهم، وقالوا بان فيه خاصية الجذب قبل غيرهم، قال أرسوط (حجر المغناطيس. . أنه حجريجتذب الحديد،