(كتاب دهريّ الصَّنعة، متقادم الميلاد) أفرغت فيه حكم الدنيا ومواعظ الأجيال، وكان عجباً عاجباً وأدباً خالداً!!
وكان اختيار مطبعة المعارف لهذا السِّفر الجليل أن يكون تذكاراً لعيدها الخمسيني - اختياراً موفّقاً كل التوفيق، فبرهنت بذلك أنها تحسن هذا الأمر وتجيده
وأما الرجل الذي وكِلَ إليه الاضطلاع بعبء نشر الكتاب وتحقيق مواضع الشُّبه فيه والحكم عليها، فرجل هَدَّكَ مِنْ رجل! فالدكتور عبد الوهاب عزام قطب من أقطاب الثقافة العربية كما هو من الثقافة الفارسية. فكان بذلك خير من يتصدّى لمثل (كلية ودمنة)، لينشره على الناس في هذا الثوب الرائع الفائق، وليجهد نفسه فيه هذا الإجهاد المثمر الطيب
وإني لأبادر فأهنئ الأستاذ عزام تهنئة صادقة، لِمَا أحيا (كلية ودمنة) على نحو يغتبط له ابن المقفع في مثواه، ويغتبط له أيضاً ذلك الجندي المجهول الذي صنع للناس هذا الكتاب في أصله الهندي، ثم تركه يسير في الدنيا كريماً عزيزاً، تتهاداه اللغات، وتتنازعه اللهجات، ويغتبط له كذلك أنصار الأدب العربي في المشرقين والمغربين
كما أزجي تهنئتي إلى رجال مطبعة المعارف، ومنوِّهاً بهذا الفن العجيب الذي أبرز الكتاب تحفة تاريخية ناطقة. وان كان للنشر أدب خاص، فهذا الكتاب منه قطعة أدبية عالية؛ وإن للألواح الثلاثة عشر التي رسمها المصور (رومان ستريكالفسكي) لأثراً كبيراً في إحداث هذا الجو الفني البهيج
وقد صنع الأستاذ عزام لهذا الكتاب مقدمة بلغت من النفاسة مبلغاً، وحوت من الفوائد الكثير؛ فهو قد عرض لتاريخ الكتاب، وبين أن النسخة العربية (أصل لكل ما في اللغات الأخرى، حاشا الترجمة السريانية الأولى، فقد فُقِد الأصل الفهلوي الذي أخذت عنه الترجمة العربية، وفُقد بعض الأصل الهندي الذي أخذت عنه الترجمة الفهلوية واضطرت بعضه، فصارت النسخة العربية أُمَّا يرجع إليها من يريد إحداث ترجمة أو تصحيح ترجمة قديمة، بل يرجع إليها من يريد جمع الأصل الهندي وتصحيحه)