للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تجديد الإسلام]

رسالة الأزهر في القرن العشرين

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

(الأزهر)، هذه هي الكلمة التي لا يقابلها في خيال الأمة المصرية إلا كلمهُ (الهرم). وفي كلتا اللفظتين يكمن سرُّ خفي من أسرار التاريخ التي تجعل بعض الكلمات ميراثاً عقلياً للأمة، يُنسي مادة اللغة فيها، ولا يبقي منها إلا مادة النفس، إذ تكون هذه الكلمات تعبيراً عن شيء ثابت ثبات الفكرة التي لا تتغير، مستقرٍ في الروح القومية استقراره في الزمن، متجسم من معناه كأن الطبيعة قد أفردته بمادته دون ما يشاركه في هذه المادة؛ فالحجر في الهرم الأكبر يكاد يكون في العقل زماناً لا حجراً، وفناً لا جسما؛ والمكان في الأزهر يغيب فيه معنى المكان، وينقلب إلى قوة عقلية ساحرة، توجد في المنظور غير المنظور

وعندي أن الأزهر في زمننا هذا يكاد يكون تفسيراً جديداً للحديث: (مصر كنانة الله في أرضه)، فعلماؤه اليوم أسهم نافذة من أسهم الله يرمي بها من أراد دينه بالسوء فيمسكها للهيبة ويرمي بها للنصر، ويجب أن يكون هذا المعنى أول معانيهم في هذا القرن العشرين الذي ابتلى بملء عشرين قرناً من الجرأة على الأديان وإهمالها والإلحاد فيها

أول شيء في رسالة الأزهر في القرن العشرين، أن يكون أهله قوة إلهية معدَّة للنصر، مهيأة للنضال، مسددة للإصابة، مقدرة في طبيعتها أحسن تقدير؛ تشعر الناس بالاطمئنان إلى عملها، وتوحي إلى كل من يراها الإيمان الثابت بمعناها؛ ولن يأتي لهم هذا إلا إذا انقلبوا إلى طبيعتهم الصحيحة، فلا يكون العلم تحرفاً ولا مهنة ولا مكسبة، ولا يكون في أوراق الكتب خيال (أوراق البنك). . . . بل تظهر فيهم العظمة الروحانية آمرة ناهية في المادة لا مأمورة منهية بها، ويرتفع كل منهم بنفسه، فيكون مقرر خلق في الحياة قبل أن يكون معلم علم في الحياة، لينبث منهم مغناطيس النبوة يجذب النفوس بهم أقوى مما تجذبها ضلالات العصر؛ فما يحتاج الناس في هذا الزمن إلى العالم - وإن الكتب والعلوم لتملأ الدنيا - وإنما يحتاجون إلى ضمير العالم

وقد عجزت المدنية أن توجد هذا الضمير، مع أن الإسلام في حقيقته ليس شيئاً إلا قانون هذا الضمير، إذ هو دين قائم على أن الله لا ينظر من الإنسان إلى صورته ولكن إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>