للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عمله؛ فأول ما ينبغي أن يحمله الأزهر من رسالته ضمائر أهله

والناس خاضعون للمادة بقانون حياتهم، وبقانون آخر هو قانون القرن العشرين. . . فهم من ثمَّ في أشد الحاجة إلى أن يجدوا بينهم المتسلط على المادة بقانون حياته ليروا بأعينهم القوى الدنيئة مغلوبة، ثم ليجدوا في هذا الإنسان أساس القدوة والاحتذاء فيتصلوا منه بقوتين: قوة التعليم وقوة التحويل. هذا هو سر الإسلام الأول الذي نفذ به من أمة إلى أمة ولم يقم له شيء يصده إذ كان ينفذ في الطبيعة الإنسانية نفسها

ومن أخص واجبات الأزهر في هذا القرن العشرين أن يعمل أول شيء لإقرار معنى الإسلام الصحيح في المسلمين أنفسهم، فإن أكثرهم اليوم قد أصبحوا مسلمين بالنسب لا غير. . . وما منهم إلا من هو في حاجة إلى تجديد الإسلام. والحكومات الإسلامية عاجزة في هذا بل هي من أسباب هذا الشر، لأن وجوداً سياسياً ووجوداً مدنياً. أما الأزهر فهو وحده الذي يصلح لإتمام نقص الحكومة في هذا الباب؛ وهو وحده الذي يسعُه ما تعجز عنه؛ وأسبابُ نجاحه مهيأة ثابتة إذ كان له بقوة التاريخ حكم الزعامة الإسلامية، وكانت فيه عند المسلمين بقيةُ الوحي على الأرض، ثم كان هو صورة المزاج النفسي الإسلامي المحض. بيد أنه فرَّط في واجب هذه الزعامة وفقد القوة التي كان يحكم بها وهي قوة المثل الأعلى التي كانت تجعل الرجل من علمائه كما قلنا مرة: إنساناً تتخيَّره المعاني السامية تظهر فيه بأسلوب عملي فيكون في قومه ضرباً من التربية والتعليم بقاعدة منتزعة من مثالها مشروحةٍ بهذا المثال نفسه. والعقيدة في سواد الناس بغير هذا المثل الأعلى هي أول مغلوب في صراع قوى الحياة

لقد اعتاد المسلمون من قديم أن يجعلوا أبصارهم إلى علماء الأزهر فيتَّبعونهم ويتأسَّون بهم ويمنحونهم الطاعة وينزلون على حكمهم ويلتمسون في سيرتهم التفسير لمشكلات النفس، ويعرفون بهم معنى صغر الدنيا ومعنى كبر الأعمال العظيمة؛ وكان غنى العالم الديني شيئاً غير المال بل شيئاً أعظم من المال إذ كان - يجد حقيقة الغنى في إجلال الناس لفقره كأنه مُلك لا فقر. وكان زهده قوة حاكمة فيها الصلابة والشدة والهيبة والسمو وفيها كل سلطان الخير والشر لأن فيها كل النزعات الاستقلالية؛ ويكاد الزهد الصحيح يكون هو وحده القوة التي تجعل علماء الدين حقائق مؤثرة عاملة في حياة الناس أغنيائهم وفقرائهم، لا حقائق

<<  <  ج:
ص:  >  >>