للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فصول ملخصة في الفلسفة الألمانية]

٢٢ - تطور الحركة الفلسفية في ألمانيا

الناحية السلبية من مذهب نيتشه

الإنسان

للأستاذ خليل هنداوي

بين اليهود نشأت ذرية الكهان، وبينهم هبت ثورة العبيد، واندلعت نيرانه على المبادئ الأرستقراطية. نقموا على المبادئ القائلة بأن الصالح والشريف والقوي والجميل والسعيد هم الذين تحبهم الآلهة، وعملوا على دحضها بمنطق قوي. قالوا إن الضعفاء والعجزة والأشقياء والبؤساء هم الصالحون وحدهم. . . وإن المتألمين والتعساء والمرضى والقبيحين هم وحدهم المقربون إلى الله، ولهم وحدهم أعدت مساكن النعيم. أما النبلاء والجبارون الأقوياء فهم الجاحدون القاسون، وهم في تلك الدار المخذولون والأشقون

جاءت المسيحية فورثت عن اليهودية هذا الميراث. وأكمل الكاهن المسيحي ما بشر به الكاهن اليهودي. وها غبرت عشرون قرناً وهو الظافر المنتصر. فكان أول مشهد من ذلك الانقلاب مسألة النفس والإرادة الحرة المختارة. وفي الحقيقة لا نفس منسلخة عن جسد، ولا وجود للإرادة الحرة، وقد تكون إرادة بلا حرية ولا اختيار. وإنما هنالك إرادات قوية تقوم بأعمال ذات قيمة، وإرادات ضعيفة عملها ضئيل، آراء كالرعد يقصف، هي في الحقيقة فكرة واحدة ترتدي أثواباً مختلفة. فالرعد ليس بشيء ذاتي يقدر على القصف وعلى غير القصف. إنه رعد حين يقصف؛ كذلك شأن مجموعة القوات المتجلية في الرجل القوي لا تبدو ولا تظهر إلا بهذه المظاهر. والعقل الشعبي استطاع بواسطة الافتراض الاختياري أن يفرق بين الكائن والحادث بين الإرادة ومظاهرها، وافتراض أن وراء أعمال البشر ووراء ما تأتيه إرادة القوة كائناً أو نفساً هي علة هذه الأعمال. وهذه النفس هي جوهر حر يظهر كيفما يشاء، ويعمل كما يشاء. وهذا الذي تمثلوه (حراً مختاراً) أصبح العبد يساوي بالسيد، بل يجعله متفوقاً عليه. وهكذا أصبحت قيمة الفرد لا تتوقف على ما يتكون فيه من مجموعة قواته. وبذا زال عندهم تفضيل القوي على الضعيف بفضل منطقهم (لأن القوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>