للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لا أثر للمغازلة في روسيا]

مترجمة عن مجلة انترنايشونال دايدجست

بقلم الأستاذ توفيق ضعون

هذا ما بدا لأحد سكان غربي أوروبا عندما زار موسكو، وقد عاد منها مقتنعاً أن (الرفيق كوبيد) أصبح شيئاً غير مرغوب فيه في وطن ستالين. أم روايته في هذا الصدد فهي ما يلي:

لقد ألف سكان غربي أوربا مشاهدة المطارحات الغرامية على أنواعها، وفي جملتها تبادل القبَل في الشوارع والمتنزهات، والتشجيع على المغامرة الذي يلقاه الرجال من الغواني. فلا بدع إذن أن يعجب الباريسيون أو سكان أي مدينة من كبريات المدن الأمريكية للمحافظة التامة على الآداب العمومية التي يلقونها في موسكو.

مما لا ريب فيه أن هذه المدينة التي تعج بضعفي عدد سكان باريس هي واحدة من (أنظف) بلدان العالم؛ إذ أن العلاقات اليومية بين الرجال والنساء خاضعة لقواعد التعفف والصون التي جرى عليها الأقدمون. فلا عواهر يخطرن في الأسواق، والرجال والنساء، شباباً وكهولا، لا يتبادلون القبل علانية، ولا يسيرون متشابكي الأذرع ولا متضامّين لكي يثبتوا للملأ ما يضمره أحد الفريقين للآخر من حب وإعزاز. وجل ما يراه الزائر محبان يتنزهان، وقد أخذ كل منهما بذراع الآخر في احتشام كلي، فيخيل إليه أنهما زوجان انقضى على قرانهما عقد من السنين.

ومما استرعى انتباهي بنوع خاص أنني بينما أنا واقف في مطار كاليننغراد في انتظار طائرة تقلني إلى موسكو، تجلى أمامي مشهد وداع مدهش جرى بين جندي مبتور الذراع وخطيبته الحسناء المسافرة؛ فعند ما أزف الموعد أخرجت الفتاة من محفظتها تفاحة قدمتها للجندي قتناولها مبتسما، وبادلها بدوره إهداءها بضعة من أزهار كان قد اقتطفها من حقل مجاور. والظاهر أن تعرضهما للأنظار ربكهما إلى حد أنهما افترقا دون عناق. وصعدت الفتاة إلى الطائرة حيث لبثت مستغرقة في تفكيرها لاهية عن كل ما حولها باستثناء لحظات خاطفة كانت تلقي فيها نظرة أسى من النافذة، أو تصوبها إلى طاقة الزهر الصغيرة التي زوَّدها بها خطيبها الجندي، وعبثاً حاولت الترفيه عنها، فقد رفضت بأدب وحزم كل ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>