للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صانعة الكراسي]

للكاتب الفرنسي (جي دي موباسان)

ترجمة السيد فؤاد نور الدين

أقام المركيز دي برتران حفلة شائقة على نخب صيد العام الجديد. فدعا أصحابه من أهل البلد. فالتف حول المائدة عشرة رجال تصحبهم ثماني نساء من ذوات الحسن والدلال؛ وكان الخوان موقراً بصنوف الزهر الزكي، وضروب الثمر الشهي؛ وقد ألقت مصابيح الكهرباء أنوارها المتلألئة على هذه الأنواع المختلفة من الزهر والثمر والطعام، فماجت تحتها موجاناً يستفز الشهية ويستقطر اللعاب

جلس في صدر المائدة على مقربة من المركيزة طبيب البلدة، وهو رجل متقدم السن، وقور الهيئة، يبدو على وجهه طابع الفطنة والذكاء

كانوا جميعاً يتجاذبون ألواناً ممتعة من الحديث اللذيذ والكلام الرقيق، فلما انتقلوا إلى حوار الحب، وماهية الحب، انبعثت بينهم تلك المناقشة الخالدة التي يراد منها أن يفهم: هل الحب المحض يدرك القلب المرء مرة في حياته أو أكثر؟

فكانت تورد أمثلة لأناس تيم قلوبهم الحب الصحيح مرة فحسب، وكانت تورد أمثلة لأناس آخرين أحبوا بعنف وقوة وهيام أكثر من مرة

كان الرجال بنوع عام يشبهون العشق بالأمراض، فكما أن هذه تعتور جسم الإنسان دوماً، فالعشق أيضاً يصيب فؤاده كثيرا ويكون في كل مرة من العنف والقوة والهياج بحيث يُؤثْر العاشق الموت إذا ما اعترضت سبيله علة من العلل

أما النسوة فكان رأيهن يستند أكثر ما يستند على الخيال والشعر، وينأى عن النظر والفكر. فكن يثبتن في حماس واندفاع أن الحب المحض، الحب العظيم لا يمكن أن ينبعث في القلب إلا مرة فحسب، حتى إذا تمكن منه ألهاه عن كل أمر، فأحرقه وألهبه، وكان فعله فيه فعل الصاعقة في الشجر والنبت، فكما أن هذه تحبس عنهما النمو والنشوء الجديدين، فهذا الحب أيضاً - يجعل القلب قفراً فارغاً لا يمكن أن تنشأ فيه أحلام تشبه أحلامه الأولى ولا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>