للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

ملْتُن. . .

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية

والخيال. .)

للأستاذ محمود الخفيف

- ٢٣ -

البرسبيترينز والصدمة الثانية:

يضرب ملتن لقومه مثلا لما يقع من الضر إذا اختنقت حرية الرأي فيستعيد ذكرياته عن رحلته في إيطاليا ويذكر كيف عدة المثقفون هناك سعيداً بمولده في إنجلترا موطن الفلسفة الحرة إذ كانوا يظهرونه على تألمهم وحسرتهم لما تعاني المعرفة عندهم من تعسف وإعنات وقيد؛ ويقول ملتن إن ما يعانيه طلاب المعرفة هناك من قيود هو سبب ما أكتنف مجد أولي الذكاء من الإيطاليين من ضباب، وإلى تلك القيود يعزى مَلَقُ الإيطاليين وادعاءاتهم وهما خلتان بارزتان في أكثر ما يكتبون. . .

ويشير ملتن في فقرة قوية بالغة الأثر في النفوس إلى ضحية من ضحايا الحرية وذلك هو جليليو الذي جاهد طويلاً ليكشف عن الأبصار ما حجب عنها النور من غشاوة، ويزيح عن القلوب ما طمس عليها من خرافة وجهل، فكان جزاءه السجن والمهانة وقد تحطم هيكله الذي آده العبء كما آدته السنون وذهب بصره فأحاطت به الظلمة وهو الذي طالما صبر على أذى قومه وصابرهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور.

ولن يزالا ملتن عظيم الثقة في انجلترة، يقدرها حق قدرها ويراها خير أمة منذ قام العالم، فهي أمة ذكية بصيرة حازمة، ذات روح وثابة سريعة إلى ما تريد، لن تتخاذل عن أقصى ما تصل إليه المقدرة البشرية، عريقة في المعرفة على اختلاف فروعها حتى ليمكن القول إن مدرسة فيثاغورس والحكمة الفارسية القديمة إنما استمدتا بدايتهما من انجلترة؛ ولها في الدين وما هو من بابه من المعرفة، باع طويلة وقدم راسخة، فلولا ما كان من مقاومة

<<  <  ج:
ص:  >  >>