بعض القساوسة لو كليف ونظرتهم إليه كصاحب بدعة وداعية شقاق لما سمع أحد عن لوثر أو كلفن نفسيهما، ولن تزال انجلترة مبعث كلُّ دعوة إلى الإصلاح ومنار كلُّ نهضة تقوم في القارة، وسيبقى لها فخر إصلاح جيرانها غير منتقص ذلك الفخر أبداً. . . وقد تأذن الله لكنيستها بعصر جديد عظيم سوف تصلح فيه الإصلاح نفسه، وكان أن تجلى الله لعباده وبدأ كما هو شأنه بالإنجليز منهم. . .
ولئن عظم أمله في انجلترة وما يرجى فيها من خير، فإنه يوجس خيفة من التنكر للحرية كما فعل البرسبتيرينز، ولذلك فإنه يراهم شراً أي شر، فما يحجب نور هذا الأمل عن البلاد إلا عنادهم واجتراؤهم على فعل ما كرهوه من قبل مما فعل القساوسة.
ويغلط ملتن لهم القول ويعنف عليهم كما صنع بالقساوسة فيرميهم بالنفاق والجشع، فما يتأتى الإخلاص لقوم يكرهون الحرية ويعترضون لها وما عبادته إلا حرفة احترفوها وتجارة يخشون كسادها ثم يتنبأ في آخر كتيبه بأن سوف يلقي الباطشون من يبطش بهم، ولعله بذلك يستخرج من مجرى الحوادث السياسية أن المستعلين سوف يعملون على سحق سلطة البرسبتيرينز بعد أن يفرغوا من محاربة الملك ولقد جاءت الحوادث بعد ذلك محققة ما لمح به.
وكرهت رجعة البرسبتيرينز كما يزعم إليه كلُّ القائمين على شؤون الدين، ولا عبرة بالمذهب، وقر في نفسه أن حرية الفكر والرأي مستحيلة ما دام هؤلاء قوامون على الناس، وعنده أن تعصب القساوسة إنما يظهر في صور وأشكال جديدة؛ وما دام الأمر كذلك فلا إصلاح يرتجي؛ إذ كيف يتحقق الإصلاح بغير الوصول إلى الحق، ولا سبيل إلى الحق إلا الحرية ويريد بها تحرير العقل من الجهالات والضلالات ليفكر طليقاً ويتدبر فيما جاء به المسيح غير مقيد بقيد مهما كان نوعه أو كان مبلغه من الشدة أو العنف؛ وإذاً فالفكر الحر والرأي هما سبيلا الإصلاح الحق ولا سبيل غيرهما.
لقد جاء المسيح بالهدى والحق إلى هذه الدنيا، وذلك مبين في الإنجيل، ولكن الناس بعيدون عما بين لهم من الهدى لأنهم أخذوا أخطاء المفسرين على أنها الحق المقدس وفي ذلك أبلغ الضرر؛ ولا مخرج لهم إلا أن يناقشوا المسائل التي يحيط بها الشك مناقشة لا قيد فيها حتى يهتدوا إلى الصواب، ولن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك إلا أن تتاح لهم الحرية، فكأن الذين