يخنقون الحرية إنما يحولون بين الناس وبين ما آتاهم المسيح من الهدى وأي إثم هو أكبر من هذا الإثم؛ وكيف يطمع المصلحون في الإصلاح إلا أن يكفوا أيدي هؤلاء البرسبتيرينز الذين يصدونهم عن سبيله ويزعمون أنهم هم المصلحون. . .
بهذا المنطق القوي أزعج ملتن البرسبتيرينز، فمثل هذا الكلام يكون أشد وقعاً وأعظم أثراً من الهجاء مهما أقذع، ولذلك كانت هذه الحرب أقوى من حربه على القساوسة وإن بدت أقل منها ضجيجاً لأن سلاحه فيها كان أمضى ولأنه يقاتل في سبيل مبدأ تميل إليه بطبعها النفوس. . .
تلك هي خلاصة الأيروباجيتيكا؛ ويزعم بعض النقاد وأحسبهم على حق فيما يزعمون أنه لو لم يكن ملتن صاحب الفردوس المفقود وصاحب كومس والفردوس المستعاد وغيرها من الشعر لذهبت كتاباته النثرية مع الزمن إلا هذا الكتيب الذي جعله للدفاع عن مبدأ من أجل المبادئ في حياة بني الدنيا منذ أقدم عصورها ألا وهو حرية العقل لا في تفكيره فحسب فإن ذلك طوع كلُّ فرد ذكي بل في إعلان ما يرى من رأي.
ويحبب هذا الكتيب إلى النفوس فضلاً عما يدافع عنه من مبدأ فيه، ما ساقه ملتن من أمثلة وما لجأ إليه من الإشارات والتلميحات كما يفعل في شعره، وكان التاريخ هنا هو الكنز الذي استخراج منه أصدافه ولآلئه، وحسبك أن يلمح إلى سقراط واستشهاده وإلى جليليو وما لاقى من كوارث وإلى أفلاطون وبيكون وإرزس وسبنسر الذي وصفه بقوله (شاعرنا الحكيم الوقور)، وأضربهم ممن اهتدوا بنور العقل في ظلمات الجهل فكانوا على طريق الإنسانية مصابيح تنطوي القرون ونورهم أبلج وكلما اشتدت الظلمة ازدادوا ظهوراً ككواكب السماء ونوراً. . . وحسبك أن يشير إلى أثينا وأن يمتدح فيها النشاط العقلي وأن يشيد بما كان يعلم آباء المسيحة الأولون من علوم الأقدمين؛ إلى كثير من أمثال ذلك مما يسوقه براهين على فضل العقل، ففي العقل وحده الخلاص من نير الجهل مع شرف القصد والإخلاص في استجلاء الحق لا في الخضوع لكل منقول والتسليم به في غير تدبر فيه. . .
وهو فيما يسوقه من هذه الأمثلة إنما يعرض بالبرسبتيرينز الذين أنكروا منه ما اهتدى إليه بعقله في أمر الطلاق والذين هالهم منه تأويل ما أول من عبارات الإنجيل لتتمشى مع ما