مدى التطور في شعره، خلقه وخلقه، شيعي وشاعر الأمويين،
عشقه
بقلم عبد الحليم عباسي
يعجبك في الأدب العربي القديم ظاهرة جديرة بالبحث العميق، وهي شيوع هذا الأدب الغنائي، فالشعر الجاهلي الذي وصل إلينا لا يتعدى هذا النوع في الأعم، فهو غنائي في لفظه، وفي موضوعه، بينا تجده في الأمم ذوات الأدب لم يسم إلى هذا الضرب إلا بعد قيام الدولة وازدهار النهضة. . . فالشعر اليوناني لم يصل إلى هذه المرتبة إلا بعد أن اشتد أمرهم وعظم سلطانهم، فأخذوا يقيمون المستعمرات على شواطئ البحرين، وكذلك الشأن في الأمم الأخرى، فهو عند الرومان مثلاً لم تقع عليه قرائح الشعراء إلا بعد قيام الدولة ببضعة قرون، وهو في الأمم الأوربية الحاضرة كذلك قد ساوق النهضات وقيام الدول. ويجيء على الضد من ذلك في الأدب العربي، فقد نهض وما برح العرب يهيمون في أوديتهم القاحلة، لا يلم شعثهم بأس الدولة، ولا يحكم أمرهم شرف الملك؛ ولعل البحث في علة هذا يعود إلى ضرورة البحث في خصائص الخيالين: الآري والسامي، وإلى تفهم المزاج العربي الأصيل، مما نرجئه إلى وقت يكون أكثر ملاءمة من هذا الوقت الذي نخصصه للبحث عن كثير، وحسبنا هنا نشير إلى ذلك، وأن نشير إلى أن من هذا الشعر الغنائي ما يتصل بكل نفس، ويخلد على وجه الدهر، وهو الشعر الذي ينبعث من نفس الشاعر، لا يبتغي من ورائه غرضاً، وإنما يقوله إرضاء لرغبة الجمال والفن في نفسه، ومنه الغزل والحنين، وهو شائع في الأدب العربي شيوعاً كبيراً، استطاع معه أن يلون خيالهم، وأساليب تفكيرهم، وأن يجعل الرقة في الحديث والحوار، والبكاء على الدمن من أظهر صفات العرب. . ومن هؤلاء الشعراء الذين زادوا في ذخيرة الأدب الوجداني كثير بن أبي جمعة.