كانت الحقبة التي أعقبت عاصفة الفتح الإسلامي المجتاحة، والتي دوخت بلاد فارس، وأدخلت في حوزة المسلمين كثيراً من الأيالات الرومية، حقبة فيها شيء من الهدوء والاستقرار على الأقل - في الأطراف النائية عن مقر الملك الأموي، وكان من ذلك، ومن هذا الرخاء الذي اخذ يمتد بما هيأ له الفتح الإسلامي من فيء يفيض عن الحاجة، أضف إلى هدا ما اقتضته سياسة الملك من ضرورة مشايعة الشعر والأخذ بناصره أن نهض الشعر، وأزدهر سلطانه، وقامت له مدارس كثيرة من أشهرها هذه المدرسة التي لم يقتصر التطور على تغيير أسلوبها اللفظي، وإنما تناول مع القالب الشعري الفكرة، وكثير أقرب إلى هذه المدرسة منه إلى أية مدرسة أخرى. . .
وقد غايرت هذه المدرسة الأنماط الشعرية المتواضع عليها من القديم، فقد أنشأت القصائد يقصد بها النسيب فحسب، ويقصد بها موضوعات غير هذه المعروفة قديماً من الهجو والمدح والاستجداء.
وكثير وأن يكن من هذه المدرسة إلا أن العوامل والمؤثرات التي أثرت في نفوس أصحابها لم تكن عميقة الأثر في نفسه، فقد مدح وهجا، وكل ذلك بلفظ شيق سمح صقلته الحضارة الإسلامية التي بدأت تتفتح، وباعدت بينه وبين وعورة الأسلوب الجاهلي، وليس لذلك من تعليل غير أن النفسية العربية لم تتطور بعد التطور كله، ولم يحن لهذا التمازج الهين مع الثقافات والأمم الذي أخذ يظهر، أن يبدو عنيفاً. . كما أن كثيراً لم يك له هذا الحسب الباذخ والغناء الفاضح، الذي للعرجي وابن أبي ربيعة، فالزمن يقسره على المدح ويضطره إلى الهجاء، ليأخذ الجوائز والهبات، ويستفيد من موالاة هذه العصبيات التي أراد القابضون على مقاليد الأمر انبعاثها حية، ليطرد لهم الملك. . بعد أن جاهد الإسلام في إخفائها زمناً طويلاً. . .
ولكنه إذ يمدح يجانب بعض الشيء هذا المثل الذي يحتذيه شعراء العرب، وهو النمط الجاهلي. . فهو يضيف إلى رقته شيئاً من هذه الصور الوضاءة، التي بعثتها عيشة الهدوء والاستقرار.
إذا ما أراد الغزو لم تثن همه ... حصان عليها عقد در يزينها
نهته فلما لم تر النهي نافعاً ... بكت فبكى مما شجاها قطينها