للأستاذ هـ. ا. ر. جب أستاذ اللغة العربية بجامعة اكسفورد وعضو
مجمع فؤاد للغة العربية.
إذا أردنا أن نحيط علماً بالتيارات الفكرية الدينية بين المسلمين اليوم، واجهتنا صعوبة عملية. فلم تحدث حركة فكرية من غير أن يكون لها تأثير. وسواء كانت دوافعها كثيرة وقوية أو قليلة وضعيفة؛ فلابد من حدوث صدى لها. ولا يمكننا أن نتتبع الحركات الحديثة في الإسلام بدون أن نرفع القواعد من الأفكار الإسلامية.
وقد يبدو واضحاً أن الأساس المقنع هو الدولة الإسلامية في القرن التاسع عشر. . أو على الأقل الإسلام في القرن الثامن عشر. ولكن هذه موضوعات لا زالت معلوماتنا عنها محدودة. وقد ذهب كتاب الإسلام إلى الاهتمام بالقرون الأولى إبان التقدم العلمي والديني، وظهور حركة الصوفية وإخوان الصفاء. وبعد القرن الثالث عشر أو ما يقرب من ذلك، كان معتقداً أن الإسلام باق على قواعده الثابتة التي خلقها له العلماء والمشرعون والحكماء والروحانيون، فلن يتقدم بل يتأخر. وهذا الرأي يتراءى لنا - من بعض الوجوه - أنه صحيح. والحق أنه صدر عن أحد علماء الإسلام المحدثين. ولكن لم تبق نظم العقيدة والفكر سائدة أكثر من ستة قرون. وإذ تقدمت القواعد الظاهرية للعقيدة الإسلامية في هذه الفترة، فإن التكوين الأصلي لحياة المسلمين الدينية، قد اعتراه التغيير والإصلاح.
وسنمعن النظر فقط في الظواهر الحيوية الخارجية التي ظهرت في الإسلام، مثل تكوين الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأدنى، وقيام إمبراطورية المغول في الهند، ونشاط الشيعة في فارس، والتوسع في إندونيسيا وشبه جزيرة الملايو، ونمو المجتمع الإسلامي في الصين، وطرد الأسبان والبرتغال من مراكش، وامتداد نطاق الإسلام في شرقي أفريقيا وغربيتا. وقد اعتبرها قدماء المؤرخين حركات حربية، وإن عقيدة الغزو والتوسع عقيدة حية. ونحن نعرف - أكثر من قبل - الدور الذي لعبته هذه العقيدة.
إن أساس الفكر الإسلامي هو بالطبع: القرآن. وليس القرآن - كالإنجيل مجموعة كتب ذات تواريخ مختلفة وبأيدي متباينة؛ إنه سفر من السور بلغها محمد (ص) في السنوات