للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

مقدمة ابن خلدون

صدر الجزء الثالث والأخير من مقدمة ابن خلدون باللغة الفرنسية عند الناشر الباريسي (جوتنر) ' ,

وكان قد نقل المقدمة إلى اللغة الفرنسية المستشرق (دي سلان) ونشرها في باريس سنة ١٨٦٢ - ١٨٦٨. فوقعت موقعاً حسناً عند أهل العلم والاستشراق حتى إن نسخها نفدت. فأخرجها مرة ثانية ذلك الناشر الباريسي من طريق التصوير الآلي للطبعة الأولى، وكلف المستشرق (جاستون بوتول) بالوقوف على الإخراج وبكتابة مقدمة لها، وبالتعليق عليها وشرح طائفة من الألفاظ الفنية، وتدوين فهرس شامل للفصول والموضوعات، وأسماء الأعلام والبلدان.

ومثل هذا العمل يدل على مكانة ابن خلدون وقدر مقدمته. وهل يغيب عن أحد من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية أن ابن خلدون سبق نفراً من فلاسفة الغرب إلى آراء سديدة أو طريفة أو قلابة للمألوف؟ ومن ذلك حديثه قبل (مكيافللي) عن سياسة الملك، وقبل (فيكو) عن فلسفة التاريخ، وقبل (أوجست كونت) عن البحث في الظواهر الاجتماعية، وقبل (دروين) عن مسألة تأثير البيئة. وكل هذا مسلم به متعارف.

وعندي أنه - فوق هذا - سبق (بيكون) حيث قال: بنبذ (التشيعات) للآراء و (روسو) إذ فضل أهل البدو على أهل الحضر أي أهل الفطرة والخشونة على أهل المدنية والرفاهية، وسبق الفلاسفة (الدهريين) للقرن التاسع عشر أمثال (كارل ماركس) و (سبنسر) و (جوبينو) و (تارد) و (دركايم) حين قال (إن الخلق تابع بالطبع لمزاج الحال الذي هو فيه) (ص١٧٥، طبعة بيروت سنة ١٩٠٠). أما (كارل ماركس) منشئ مذهب الاشتراكية المعروف - فقد سبقه ابن خلدون حيث قال (إنما اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم في المعاش) (ص١٢٠). وأما (سبنسر) فقد سبقه ابن خلدون في إثبات مبدأين، أولهما: أن العصبية ثم التعاون على المعاش من الأسباب الأولى للاجتماع البشري؛ والثاني: أن هرم الدولة من الدعة والترف.

وأما (جوبينو) فقد سبقه ابن خلدون حيث أشار إلى تأثير خصائص أجيال الخلق في

<<  <  ج:
ص:  >  >>