للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دفنتها بيدي!. . .]

للشاعر التركي عبد الحق حامد بك

أيتها العيون التي أمست ثقوباً! أيتها العظام الدائرة النخرة، انظري. . . انظري إلى جلال هذا التابوت الجميل المزهر. . . انظري ثم ارقدي بسكون حتى البعث. . . تحت لحافٍ من تراب في ظلمة القبر، وعدي هذا اليوم قيامةً صغرى!

الناس والدواب والطيور والأشجار والأحجار. . . كلها وشيكة البكاء من فرط الألم، والسحب القاتمة في حزنها العميق، تبكي تارة، وأخرى تتئر النظر الواله إلي في سكون موحش. إنها جميعاً تشاطرني لواعج الحزن بصمتٍ ناطقٍ مشوب بالذهول. . .!

يا ناشداً العبرة، كفكف العبر، وانظر في هذه الحفرة، تجد ثم جمال الوجود منظوماً في قصيدٍ من الحسن، تجده ممثلاً في صاحبة التابوت. . . لقد كانت أجمل من السماء الحالية بأملاكها. كانت أحلى من رحيق الأزاهر ورضابها، كانت أجمل من الطفولة في براءتها ونضارتها، ومن الملائكة في علائها وجلالها. كانت أجمل من الحور الكاسية بنور الإله في جنات النعيم.

يا لشعرها! كان أجمل من الشمس في شروقها، وهي ترسل شعاعها اللألاء من الورود والرياحين

يا لعيونها! كانت مرآة مجلوة للخيال الحالم.

يا لنظراتها الوادعة! كانت ينبوعاً للرحمة يتدفق منه ماء سائغ سلسبيل. . .

ولكنها الآن كأمواجٍ من جمد!

وبستان دلالها؟ لقد كان يموج بحلال من السحر والفتنة، ولكنه ذوي وتغشاه سكون رهيب ساخر!. . .

كان وجهها المزدان بهالة شعرها أجمل من البدر يتلمس السفور من فرج السحاب. . .

والأحزان التي تراءت على وجهها قبل أن تزهف نفسها إلى الموت، لكالشمس ساعة رؤيتنا لها تحتضر، في غروبها وراء أثباج من الموج. . .

كفى. . . . . .!

أرى القلم يئن من لذع الألم التأثر، وأحس المداد يبكيها وهو متشح بثوب الحداد. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>