لقد كانت أياماً مليئة بالحياة. جادها الغيث إذا الغيث همى
جلسنا بعد سير طويل عند مدخل البهو ذي الأعمدة، واخذ بعض الرفقة ينطقون أوتار المزهر والكمان والقانون فترتفع مقاطعها المتآلفة المتناسقة بأحسن الأنغام وأطيب الألحان ثم تجاوبت الأصداء العجيبة من نواحي ذلك البهو الفسيح، فإذا الجو له يطن بأمواج مختلفة القوة من أصوات عذبة ساحرة، واستلقيت على مسافة من الجمع إذ كنت من أكثرهم تعبا، ولكن وان عزبت عن الضجة والصخب لم تفتني نفحات الموسيقى الحلوة وقد صفاها البعد ونقاها
وفيما أنا كذلك إذا بي وقد تمثل ذلك الهيكل منذ كان في شبابه، ورونقه، وقد قامت فيه الأعمدة باسقة تحمل تيجانها النيلوفرية وتكسوها النقوش البديعة الذهبية، وفي مداخلها المسلات النحيلة الرشيقة تلمع رؤوسها النحاسية في ضوء الشمس المائلة إلى الغروب، ثم تمثلت منظر الهيكل يوم عيد عظيم وقد ازدحم بالكهنة يصطفون للقاء فرعون وهم ينشدون نشيد الترحيب والتكريم، حتى إذا ما اقبل خروا إلى الأذقان ركعاً لابن الآلهة وسليل حوريس. فخيل إلي وأنا وسط هذه التأملات إن ذلك الصوت المنبعث إلى آذاني من موسيقى أصدقائي هو صوت هؤلاء الكهنة يتردد بين جدران المعبد القائم الجديد. وغرقت في خيالي وإذا بي وقد لف الظلام ما حولي. وإذا بي أرى من خلال الظلام عالماً سحرياً عجيباً ينشر من بين هذه الأطلال الهرمة:
رأيت (فرعون) مقبلاً يحمل في يداه عصا مذهبة وعلى رأسها تاج تحف به من أسفله الحية الملكية.
فخر الوقوف ساجدين وتعالت في جنبات المعبد أصداء موسيقى بديعة بالنشيد الملكي وألقى في روعي إن معناه