منذ قرابة عامين عرضنا في بعض المجلات العلمية للبحث عن الفرق بين الخير والسعادة لماما، ثم لمدى الخلاف بين المتقدمين من الفلاسفة وبين المتأخرين منهم في ماهية السعادة وهل هي سعادة بالإضافة إلى غيرها أم هي سعادة مطلقة بغض النظر عما عداها من الاعتبارات، وهل هي من ملابسات النفس الناطقة وحدها، أو أن البدن أيضاً من مقوماتها.
لكن البحث لم يتسق للكشف عن مبلغ آراء فرق الفلاسفة في السعادة والخير يومئذ في تلك المجلة. من أجل ذلك نحب أن نعرض لقراء الرسالة - بقدر - في هذا البحث الراهن للسعادة في رأي فيثاغورث وأفلاطون وبقراط، وهؤلاء من متقدمي الفلاسفة، ثم نعرض بعد ذلك لرأي ارستطاليس، ثم نقارب بين رأي فيثاغورس ومتابعيه، وبين جمهرة من المشائين حتى يتسق البحث على وتيرة واحدة، ويجري على سنن مستساغ.
في الاتجاهات التي اتجه إليها فيثاغورث وأفلاطون وبقراط ومن إليهم تلقاء النفس الناطقة أن الفضائل الأربع التي هي قوام السعادة وعتادها حاصلة كلها في النفس وحدها فليس لها مرد من الخارج ولا قوة تصدر عنها سوى النفس الناطقة؛ ولذلك حينما عرضوا لتقسيم قوى النفس في كتبهم اعتبروا كل هذه القوى منحصرة في الفضائل الأربع وهي:(الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة) على ما سيجيء الكلام عنه في بحوثنا المتلاحقة المتعلقة بالنفس الناطقة، ثم رتبوا على ذلك الاتجاه أن تلك الفضائل الأربع وحدها كافية لتكون قواماً للسعادة في فصولها المختلفة، فلا يحتاج معها إلى غيرها من فضائل البدن ومميزاته ضرورة أن ذا النفس الناطقة إذا حصل تلك الفضائل مجتمعة فلا يغض من سعادته أن يكون سقيماً أو فاقداً لبعض أعضائه أو مبتلى ببعض صنوف العلل والأدوار إلا إذا تأثرت تلك النفس بأوصاب البدن وأسقامه فيما يصدر عنها من أفعال كفساد العقل واضطراب التفكير وضعف الروية والخلط بين الآراء، فإن ارتفعت كل هذه الأعراض على إصابة