البدن بعلله وأوصابه فليس بضير النفس الناطقة في شيء أن يعرض لها الفقر والخمول وسقوط الحال وخشونة العيش مثلاً وكل ما هو خارج عنها فليس ما كان خارجاً عن النفس الناطقة بقادح في سعادتها. وبدٌ هي أن فيثاغورث ومن لف لفه يذهب إلى أن السعادة لا تعدو النفس الناطقة فلا تتناول الأبدان ومميزاتها، ويرتبون على ذلك الاتجاه أن السعادة والخير في مختلف مناحيهما ليس لهما إلا مصدر واحد وهو قوى النفس الناطقة وبالتالي الفضائل الأربع، وليس للبدن على هذا الاعتبار إلا مظهر آليته، فالنفس مديرة والبدن لها آلة.
أما جمهرة من الرواقيين فتذهب إلى أن السعادة والخير يصدران عن النفس والبدن معاً. فإذا صدر الخير عن النفس دون تقدير لكفة البدن فإنما يصدر ناقصاً بالقياس إلى ما تتعاون النفس والبدن مجتمعين في صونه وإبرازه.
يأتي بعد ذلك أرستطاليس فينحو نحواً آخر وهو أن السعادة والخير متخالفان، ثم إن السعادة بعد ذلك مقولة بالتشكيك فهي معروضة للمقولات العشر
ومعلوم أن المحققين من الفلاسفة يحقرون شأن البخت والاتفاق وكل ما هو منقطع الصلة بترتيب الفكر وأعمال الروية، ولا يؤهلون أصحاب هذه الاتفاقات وحملة تلك المصادفات لاسم السعادة. فالسعادة في أوضاعها أمر قار غير زائل، بل هم فوق ذلك يعتبرون كل ما يصل الإنسان من غير طريق التدبير والروية ومن غير أن يجري على سنن له مقدماته ونتائجه ضرباً من ضروب البخت فهو قابل عندهم للبقاء والزوال والزيادة والنقص والتعديل والتجريح والصحة والفساد والرفعة والخفض وكل الأشياء ونقائضها؛ وتابعهم في ذلك كثير من متأخري الفلاسفة أخذاً بنظرية صادقة عندهم وهي: من قدمه الاتفاق فقد أخره الاستحقاق. وهنا وقع خلاف ذو شأن بين قدماء الفلاسفة ومتأخريهم فيذهب فيثاغورث وأفلاطون وبقراط إلى أن السعادة العظمى لا تتحقق للإنسان إلا بعد أن تخلع البدن وما يلابسه من غاشيات الطبيعة، تطبيقاً لمذهبهم القائل بأن السعادة لا تحصل إلا في قوى النفس الناطقة. من أجل ذلك أطلقوا على الإنسان أنه جوهر النفس الناطقة دون البدن، فحكموا بأن البدن ما دام سياجاً لها وقفصاً لإيوائها، وما دام يخلع عليها غاشيات الطبيعة وأكدارها ولوثاتها وعلائقها فليست تلك النفس بسعيدة السعادة المطلقة الموموقة؛ ومبعث