كاد فن صناعة الملابس أن يكون مجهولاً في العهود الإسلامية الأولى، يوم كان العرب كلهم بدواً إلا قليلاً، وكانت المدن صغيرة ضئيلة الخطر، فكانت الأردية البسيطة المفردة كافية في الوقاية من البرد والحر. وما كانوا يحسبون أن من الممكن أن تصنع الملابس على أسلوب رشيق، بل كان ناسج الثوب هو وحده الذي يقوم بالأمر. ولكن العرب حين فتحوا وشيكاً قسماً كبيراً من آسيا وأفريقية وأوربا، اتصلوا بالشعوب التي غلبوها، وكانت قد وصلت إلى درجة عالية من الحضارة، فلم يلبثوا أن تركوا شيئاً فشيئاً حياة البادية، وأخذوا يستقرون في المدن. وكذلك أدركوا أن في مكنتهم أن يصنعوا لأنفسهم ثياباً أرشق مما كانوا يلبسون، فأخذوا كثيراً من زي الشعوب التي غلبوها. ولما كانت مظاهر الترف قد تقدمت عند الفرس تقدماً عظيماً، فقد أحس بلاط بغداد إحساساً مطرداً بنفوذ جيرانه ورعاياه، كما أن تقدم الحضارة والتجارة أنشأ مصانع من كل نوع. وما أسرع ما ضمت بغداد عدداً عظيماً منها، كان مقدار ما فيها من الثياب الحريرية الفاخرة، والأقمشة المصفوفة بالذهب والفضة وما إليهما، يتضاعف مضاعفة مستمرة.
أما في المغرب فكان الأمر على العكس من ذلك، إذ اختلط العرب بالمراكشيين والبرابرة، وهم شعوب جافية، دون فاتحيهم في الحضارة، فكانت مظاهر الترف مجهولة لديهم، فأخذ العرب منهم إلى حد ما زيهم البسيط الغليظ.
أما في الأندلس فقد استخلص العرب لأنفسهم جزءاً كبيراً من زي الفرسان المسيحيين، ولا سيما في العهد الأخير من عهود ملكهم. ويصرح أبن سعيد بأن أقبية عرب الأندلس كانت تشبه أقبية المسيحيين. ويقول أبن الخطيب المؤرخ، وهو يتحدث عن محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش المتوفى في النصف الثاني من القرن السادس الهجري:(وآثر زي النصارى من السلاح والملابس واللجم والسروج).
أما في مصر والشام فقد عانى الزي تغيرات عظيمة بسبب غارة الأتراك.
وقد أحدث امتزاج العرب بالأجانب أن وجد دائماً اختلاف كبير بين أزياء الشعوب المختلفة