عتب علي كثير من الإخوان، وكثير من القراء، انشغالي في بعض الأحيان بالردود على بعض من كتبوا في الرسالة - عن الموضوع الأصيل الذي اخترت الحديث فيه، وعن شرح الآراء العامة التي أدليت بها في أدب العقاد وأدب الرافعي، وسوق الأمثلة وتقرير الحقائق
وعند هؤلاء الإخوان أن آخذ بسبيلي في الموضوع الأصيل غير ملتفت إلى شيء مما يقال - لأنه لم يقل شيء يستحق العناية به - وهذا كان رأيي الذي صرحت به مرة ومرة
وبودي لو أطعت هؤلاء الراغبين في الاستفادة، ولم ألق بالي إلى شيء مما يقال، ولكنني في الواقع أرى هناك ارتباطاً وثيقاً بين الموضوع ذاته وبين المناقشات التي تدور حوله، لا في موضوعها وقيمتها، ولكن في شكلها وبواعثها
وأفسر هذا فأقول: إن المدرسة العقادية تعني بتصحيح المقاييس الأدبية عنيتها بتصحيح المقاييس النفسية، وقد أوردت من هذا نماذج في شعر العقاد، عن (عدل الموازين. والعبوسة والبشاشة. ودرجات الفضائل. . . الخ) فإذا ما عنيت بمناقشة الأستاذ العريان، والأستاذ مظهر، أو سواهما، فإنما أوجه عنايتي إلى (كشف) العوامل النفسية التي تبعثهما على الكتابة، وإلى (فضح) الظواهر المصطنعة التي تبدو فيها الأحكام، وإلى (تشخيص) العنت و (العدالة الزائفة) في إصدارها
وهذا كله يعني المدرسة الحديثة عنايتها بالآراء الأدبية ذاتها، فما تقصد هذه المدرسة إلى تصحيح معايير الآداب والفنون، إلا وهي تعني من ذلك تصحيح الأمزجة والنفوس. وهي لا تقصد بهذا الدعوة إلى المبادئ الخلقية التي يحترمها الناس بقوة العرف والاستمرار، ولكن تريد إن تصح النفوس فتكون هذه المبادئ أثراً لتفاعلها مع الحياة، أو جزءاً من غذائها اليومي الذي يدخل في كيانها، لا أن تكون كالثوب تلبسه وتخلعه حسب المناسبات!